كيف يقرأ الإعلام البريطاني التقدم السريع للمعارضة في سوريا
في تحول مفاجئ قلب معادلات الصراع السوري، تمكنت المعارضة السورية من تحقيق تقدم خاطف، أحرزت خلاله مكاسب استراتيجية وألقت بظلال من الشك على استقرار نظام بشار الأسد. بعد سنوات من الجمود الذي بدا وكأنه يرسخ قبضة النظام على السلطة، يعجّ الإعلام البريطاني بأخبار وتحاليل بشأن هذا التحول.
وفي ضوء مراجعة تقارير كبرى وسائل الإعلام البريطانية، يمكن تقسيم التغطية إلى محورين:
- وسائل إعلام محايدة: ركزت على الجوانب الإنسانية وتحليل تداعيات التطورات العسكرية دون انحياز لطرف معين.
- وسائل إعلام منحازة: قدمت سردًا يميل لدعم المعارضة المسلحة أو التركيز على ضعف النظام، بما يعكس توافقًا مع توجهات الحكومات الغربية تجاه الأزمة.
وفي هذا التقرير نستعرض كيفية معالجة الإعلام البريطاني للتطورات الأخيرة في سوريا، مع تسليط الضوء على مدى حيادية أو انحياز هذه التغطيات، مدعومًا بأمثلة واقتباسات من كبرى الصحف والقنوات البريطانية.
المكاسب الميدانية ومعادلة السيطرة
تناولت الصحافة البريطانية بإسهاب الانتصارات الأخيرة للمعارضة. أشارت صحيفة The Times إلى أن سيطرة المعارضة على درعا، المدينة التي انطلقت منها شرارة الانتفاضة ضد الأسد، تمثل تقدمًا استراتيجيًا مهمًا، خاصة بعد سيطرتهم على حلب وحماة، مما يقربهم من دمشق ويشكل تهديدًا مباشرًا للنظام.
“التقدم الذي حققته المعارضة يشكل تهديدًا مباشرًا لمركز نظام الأسد.”
— The Times
من جهتها، ركزت Sky News على التقدم نحو مدينة حمص، مشيرة إلى أهميتها الاستراتيجية كمفترق طرق يربط العاصمة بمناطق حيوية أخرى، مما يجعل السيطرة عليها مكسبًا استراتيجيًا بالغ الأهمية.
“حمص ليست مجرد مدينة؛ إنها نقطة تحول في معادلة السيطرة على الأرض.”
— Sky News
أسباب الزخم المفاجئ للهجوم
البُعد الجيوسياسي
ركز كبار المحللين في الإعلام البريطاني على الأبعاد الدولية لتقدم المعارضة. رأى جوليان بورغر من The Guardian أن هذه المكاسب تعكس ضعف النظام السوري واعتماده المفرط على الدعم الروسي والإيراني، مما قد يفتح المجال لتحولات في المفاوضات الدولية، خاصة مع سعي القوى الغربية لتقليص النفوذ الإيراني في سوريا.
“النظام السوري يواجه ضغوطًا لم يشهدها منذ سنوات، مما يجعل الساحة مفتوحة أمام إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية.”
— جوليان بورغر، The Guardian
أزمة الشرعية للنظام السوري
أبرز باتريك كوكبيرن في The Independent أن الاحتجاجات المستمرة في السويداء تمثل دليلًا على ضعف شرعية النظام، الذي لم يعد يواجه فقط معارضة عسكرية، بل شبكة سياسية فقدت ثقة الشارع.
“الانتفاضات في السويداء ودعم المعارضة هناك يعكسان زخمًا جديدًا يمكن أن يعيد صياغة قواعد اللعبة.”
— باتريك كوكبيرن، The Independent
الوضع الإنساني المتدهور
ركزت كيم سينغوبتا من The Independent على الأبعاد الإنسانية، مؤكدة أن النزوح الجماعي الناتج عن القصف المكثف في حماة وريف حمص ينذر بأزمة إنسانية جديدة، قد تعيد النقاش حول مسؤولية المجتمع الدولي تجاه اللاجئين السوريين.
“النزوح الجماعي الذي تسببت فيه العمليات الأخيرة يعكس أوجه القصور في التعامل الدولي مع الأزمة السورية.”
— كيم سينغوبتا، The Independent
مخاوف التصعيد الإقليمي
تناول ريتشارد سبنسر من The Times خطر تصعيد الصراع بسبب دعم المعارضة من قبل دول إقليمية كتركيا، وتصاعد الرد الروسي بضربات جوية مكثفة. وأشار إلى أن هذه التطورات تعيد الصراع السوري إلى واجهة التنافس بين القوى الكبرى.
“الصراع في سوريا يعود مرة أخرى ليشكل مسرحًا لتنافس القوى الكبرى، وسط مكاسب ميدانية غير مسبوقة للمعارضة.”
— ريتشارد سبنسر، The Times
وجهات النظر الإعلامية: بين التفاؤل والتحفظ
تحول جذري أم مكسب مؤقت؟
وصفت The Telegraph المكاسب التي حققتها المعارضة بأنها “ضربة زلزالية” للنظام، معتبرة أن السيطرة على حلب تمثل تحولًا كبيرًا في ميزان القوى.
“استعادة المعارضة لمدينة بحجم حلب يعني أن المعركة لم تحسم لصالح النظام بعد.”
— The Telegraph
تحفظ وحذر
دعا جيريمي بوين من BBC إلى توخي الحذر في التقييمات، مشيرًا إلى أن النظام أظهر مرونة في تجاوز الأزمات السابقة.
“رغم أهمية هذه المكاسب، لا يمكن التقليل من قدرة النظام على المناورة والعودة.”
— جيريمي بوين، BBC
انعكاسات إقليمية
حللت Sky News أبعاد التقدم الميداني، مشيرة إلى أنه يعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة، مع احتمالات تصعيد الصراع بين الفاعلين الدوليين.
“هذا التقدم يعيد ترتيب الأولويات الإقليمية، ويضع القوى الكبرى أمام خيارات صعبة.”
— Sky News
الحياد والانحياز في التغطيات
تغطيات حيادية
قدمت وسائل مثل Sky News وBBC تغطيات متوازنة، ركزت على الأبعاد الإنسانية وتحليل المشهد الاستراتيجي دون الميل لأي طرف.
تغطيات منحازة
على الجانب الآخر، اختارت صحف مثل The Telegraph وThe Times التركيز على ضعف النظام وتراجع حلفائه، في سرد يعكس تماهيًا مع التوجهات الغربية.
تُظهر تحليلات الإعلام البريطاني أن التقدم السريع للمعارضة السورية يمثل نقطة تحول فارقة في الصراع، مع تسليط الضوء على أبعاد إنسانية وإقليمية ودولية. وبينما يعتبر البعض هذا التقدم مؤشرًا على انهيار النظام، يحذر آخرون من إمكانية تصعيد إقليمي ودولي.
تظل التساؤلات مفتوحة: هل ستؤدي هذه التغطيات إلى فهم وطني أفضل للصراع أم ستساهم في تعقيده؟ وهل تنجح المعارضة في الحفاظ على زخمها وتغيير المشهد؟
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇