أين يقف مسلمو بريطانيا بعد عام من العدوان على غزة؟
مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لعدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة في الـ7 من أكتوبر، يقف المجتمع المسلم في بريطانيا عند نقطة مفصلية في تاريخه، إذ يجد نفسه في صراع بين هُويته الدينية والوطنية من جهة، والسياسات الخارجية البريطانية المتواطئة مع الاحتلال من جهة أخرى.
الدعم الكبير الذي قدمه مسلمو بريطانيا للقضية الفلسطينية قابلته خيبة أمل كبيرة نتيجة إخفاق الساسة البريطانيين في الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وهو ما وصفه قادة المجتمع المسلم بأنه “لحظة فارقة” تكشف عن التناقض العميق بين السياسة الخارجية للمملكة المتحدة والهُوية الإسلامية للمجتمع.
ووفقًا لوحدة الاستجابة للإسلاموفوبيا (IRU)، التي توثق جرائم الكراهية ضد المسلمين، ازدادت الهجمات اللفظية والجسدية بصفة ملحوظة منذ اندلاع العدوان على غزة، حيث ارتبطت الإهانات مثل “فلسطيني” و”مسلم” بتصاعد العداء ضد المسلمين في المجتمع البريطاني. وتفاقمت تلك الإسلاموفوبيا بفعل التغطية الإعلامية المكثفة التي شرعنت العدوان الإسرائيلي، وجعلت من معاناة الفلسطينيين مجرد أرقام في التقارير اليومية.
وذكرت الأمم المتحدة أن الغارات الإسرائيلية منذ الـ7 من أكتوبر أسفرت عن مقتل أكثر من 40,000 شخص في غزة، معظمهم من النساء والأطفال. في حين أشارت مجلة “ذا لانسيت” الطبية البريطانية إلى أن عدد القتلى قد يصل إلى 186,000 بحلول نهاية العام، مع تقديرات تتجاوز هذا العدد.
ومع استمرار هذا العدوان الدموي، تزايدت جرائم الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا بنسبة 300 في المئة في الأسابيع التي تلت بداية العدوان، وفقًا لوحدة الاستجابة للإسلاموفوبيا. وعلى الرغم من ذلك، يظل التوثيق الفعلي لهذه الجرائم أقل من الواقع، حيث تتزايد حوادث نزع الحجاب، وتحطيم النوافذ، والاعتداءات الجسدية على المسلمين، دون أن تحظى بتغطية كافية.
وفي مواجهة هذا العداء، يعاني المسلمون في بريطانيا من صراع داخلي عميق بين هُويتهم وانتمائهم لوطنهم البريطاني، والظلم الذي يرونه في سياسات بلادهم الخارجية. وفي أعقاب رفض حزب العمال التصويت من أجل وقف إطلاق النار، شهدت صفوف الحزب استقالات عديدة من نواب ومسؤولين مسلمين أعربوا أن الحزب لم يعد يمثل قيم العدالة التي يؤمنون بها.
عفراسياب أنور، رئيس مجلس بلدية بيرنلي، كان أحد هؤلاء الذين تركوا الحزب، مؤكدًا أن المبادئ التي يقوم عليها، مثل “المساواة والشجاعة في مواجهة الظلم”، لم تعد تمثلها قيادة الحزب. وعلى الرغم من تعرضه للهجمات الشخصية والمهنية منذ استقالته، قال أنور: “إنه واجبنا الأخلاقي أن نستمر في التحدث علنًا ضد الظلم”.
أما هانية آدم، وهي مستشارة إعلامية تعمل مع مساجد ومنظمات إسلامية كبرى في المملكة المتحدة، فقد عبّرت عن صدمة المجتمع المسلم من غياب الإنسانية في تعامل السياسيين مع القضية الفلسطينية. وقالت: “إن رفض قادتنا التصويت لمصلحة وقف إطلاق النار هزنا في الصميم. شعرت أن حياتنا -نحن المسلمين- لم تعد ذات قيمة؛ لأن الفلسطينيين مسلمون وسُمر البشرة، فلا يوجد أي ضغط لوقف القتل. نحن نشاهد أطفالًا يُفجرون دون أن يتحرك أحد”.
وأشارت آدم إلى أن التأثير النفسي لهذه الأزمة كان عميقًا على أفراد المجتمع، ما أدى إلى زيادة معدلات القلق والاكتئاب، وبخاصة بين الشباب الذين يشعرون بالعجز أمام ما يحدث في غزة.
وأضافت: إن القضية الفلسطينية بالنسبة للمسلمين في بريطانيا تمثل قضية مركزية، فالكثير منهم ينحدر من دول تعرضت للاحتلال أو الاستعمار مثل باكستان والهند والصومال، ما يجعلهم يتعاطفون كثيرًا مع نضال الفلسطينيين من أجل تقرير مصيرهم.
وتؤكد آدم أن دعم القضية الفلسطينية لم يعد يقتصر على المسلمين فقط، بل اتسع ليشمل شرائح أكبر من المجتمع البريطاني، حيث تقول: “في عام 2008 كانت معظم الاحتجاجات ضد الحرب على غزة تضم المسلمين فقط، أما الآن فنرى أشخاصًا من جميع الخلفيات يشاركون. يبدو أن العالم بدأ يستيقظ على حقيقة تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم”.
ومع ذلك، يشعر المسلمون الذين استخدموا الوسائل المتاحة للتعبير عن رفضهم، بأن تلك المسارات أصبحت عديمة الفائدة. فقد وصفت وزيرة الداخلية السابقة، سويلا برافرمان، الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين بأنها “مسيرات كراهية”، ومنحت الشرطة صلاحيات جديدة لمراقبة تلك التظاهرات.
وفي الوقت نفسه، أشارت المحامية الحقوقية ميرا حماد، التي مثلت متظاهرين مؤيدين لفلسطين في المحاكم، إلى أن السنوات الأخيرة كشفت عن مدى الانتقائية في تطبيق القانون، سواء على الساحة الدولية أو المحلية. وقالت: “لقد واجه الفلسطينيون هذه الانتقائية منذ زمن طويل، ولكنها أصبحت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى خلال العام الماضي”.
المصدر: ريليجين ميديا سنتر
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇