لندن تدعو شركاتها للمنافسة على عقود إعادة إعمار غزة
في خطوة مثيرة للجدل، أعلنت الحكومة البريطانية عن إطلاق مؤتمر في لندن لبحث سبل إشراك الشركات البريطانية في مشاريع إعادة إعمار غزة، بعد الدمار الهائل الذي خلّفه العدوان الإسرائيلي الأخير.
ويُشرف على المؤتمر وزير شؤون الشرق الأوسط هاميش فولكنر، الذي أكد أن الهدف هو “تحفيز جهود التمويل الخاص لإعادة إعمار غزة”، في وقت تتصاعد فيه الانتقادات للحكومة العمالية بسبب ما يصفه نواب معارضون بـ”استثمار سياسي واقتصادي في مأساة إنسانية مستمرة”.
من الخراب إلى عقود الإعمار

وقد انطلقت فعاليات المؤتمر في مركز “ويلتون بارك” التابع لوزارة الخارجية البريطانية، بمشاركة ممثلين عن السلطة الفلسطينية ومصر وعدد من الشركات والمؤسسات المالية الدولية.
ووفقًا لبيان صادر عن داونينغ ستريت، يسعى اللقاء إلى “جمع ممثلين من قطاع الأعمال والمجتمع المدني والحكومات؛ لتنسيق التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب”.
لكن الخطوة قوبلت بموجة من الغضب داخل البرلمان البريطاني، إذ اعتبر معارضون أن لندن تحاول جني الأرباح من إعادة الإعمار بعد أن ساهمت في الدمار نفسه، مشيرين إلى أن بريطانيا “قدّمت دعمًا استخباريًّا وعسكريًّا لإسرائيل طوال فترة الحرب على غزة، عبر رحلات استطلاع ومعلومات جوية”.
كوربن: “الحكومة لا تستحي”!
النائب المستقل وزعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربن انتقد بشدة موقف الحكومة قائلًا لموقع ميدل إيست آي:
“هذه الحكومة لا تستحي. لم تكتف بتمكين الإبادة الجماعية، بل تسمح الآن للشركات الخاصة بجني الأرباح من معاناة الفلسطينيين”.
وأضاف كوربن، أحد مؤسسي الحزب اليساري الجديد “يور بارتي”: “تحقيق الأرباح من الإبادة أمر مقيت. يجب أن يحدد الفلسطينيون مستقبل غزة بأنفسهم، وأن يتحمل من دمّرها تكاليف إعادة إعمارها”.
وفي منشور عبر منصة إكس، وصف الوزير فولكنر إعادة إعمار غزة بأنها “إحدى أعقد العمليات في العصر الحديث”، داعيًا إلى “اغتنام الفرصة مع بدء سريان وقف إطلاق النار”.
لكن نائبة حزب العمال كيم جونسون حذّرت من “نهج استعماري من الأعلى إلى الأسفل” قد يهمّش الفلسطينيين لمصلحة الشركات الغربية، مؤكدة أن غزة “تحتاج إلى عدالة ومحاسبة وعملية يقودها شعبها، لا البنوك الدولية ولا المؤسسات الأجنبية”.
بلير في الواجهة مجددًا
الجدل تصاعد بعد ورود تقارير تشير إلى احتمال تعيين رئيس الوزراء الأسبق توني بلير في موقع قيادي ضمن خطة “السلطة الانتقالية التكنوقراطية” التي طُرحت لإدارة غزة بعد الحرب، وهي فكرة دعمتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وردّت جونسون قائلة: “يجب أن يكون توني بلير بعيدًا تمامًا عن هذا الملف. تاريخه في الشرق الأوسط حافل بالإخفاقات، ولا يمكن أن يُنظر إليه بوصفه شريكًا في بناء سلام عادل”.
وفي السياق ذاته، قال النائب شوكت آدم من “التحالف المستقل”: إن “مشهد الحكومة البريطانية وهي تستضيف اجتماعات لبحث عقود غزة مع رجال المال أمر منفّر”، مضيفًا أن “سكان غزة ما زالوا ينتشلون جثث أحبائهم من تحت الأنقاض”.
ورغم أن رئيس الوزراء كير ستارمر لم يشارك مباشرة في خطة ترامب، فإن شخصيات بريطانية قريبة من حكومته كان لها دور محوريّ في صياغتها، أبرزهم توني بلير ومستشاره السابق للأمن القومي جوناثان باول، الذي تجمعه علاقة وثيقة بصهر ترامب جاريد كوشنر.
وتشير تقارير إلى أن بلير وكوشنر عملا معًا على إعداد خطة سلام عُرضت لاحقًا على ترامب، الذي منحها دعمه الكامل.
خطة إعمار عربية أكثر شمولًا
من جهة أخرى، أوضح كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني، أن فولكنر أيّد خلال المؤتمر “خطة الإعمار العربية” التي أعدتها جامعة الدول العربية مطلع العام الجاري، مشيرًا إلى أنها “أكثر تفصيلًا وواقعية من خطة ترامب، وتمنح الفلسطينيين دورًا مركزيًّا في تقرير مستقبلهم”.
ودعا دويل حكومة العمال إلى مقاومة أي محاولات لإقصاء الفلسطينيين عن قيادة الإعمار، مؤكدًا أن “الدولة الفلسطينية يجب أن تكون صاحبة القرار في تحديد مستقبل غزة”.
كما دعا النائب المستقل إقبال محمد إلى أن تكون عملية إعادة الإعمار “خالصة الإرادة الفلسطينية، دون أي تدخل أو مشاركة إسرائيلية إلا في إطار المحاسبة ودفع التعويضات”، مطالبًا الحكومة بوقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل وضمان دخول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
وقال النائب أيوب خان:
إن “تسليم مهمة إعادة بناء غزة لشركات فقدت أي اعتبار أخلاقي يُعَدّ خطوة غير مسؤولة”، منبّهًا إلى أن “العديد من الشركات العالمية استفادت من اقتصاد الاحتلال والفصل العنصري، ولا يجوز السماح لها باختراق جهود السلام”.
ترى منصة العرب في بريطانيا أن الخطوة البريطانية الأخيرة تكشف عن تناقض واضح بين الخطاب الإنساني الغربي والممارسة الواقعية، إذ تأتي الدعوات لعقود الإعمار بينما تستمر لندن في تزويد إسرائيل بالسلاح والدعم الاستخباري.
وتؤكد المنصة أن أي عملية لإعادة إعمار غزة لن تكون ذات معنى ما لم تُبنَ على العدالة والمساءلة، وأن الطريق الحقيقي لإحياء غزة يبدأ بإنهاء الحصار ومحاسبة من تسببوا في تدميرها، لا بتحويل مأساتها إلى فرصة استثمارية للشركات الكبرى.
المصدر: ميدل إيست آي
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
