العرب في بريطانيا | لماذا تشتت قواعد التأشيرات البريطانية الأسر وتُ...

1447 جمادى الثانية 7 | 28 نوفمبر 2025

لماذا تشتت قواعد التأشيرات البريطانية الأسر وتُبقي أطفال غزة تحت الحصار؟

قواعد التأشيرة البريطانية تُفكّك العائلات وتُبقي أطفال غزة تحت الحصار
صبا الشريف November 27, 2025

في 7 أكتوبر 2023، وبينما كانت فاطمة سويدان تحتفل بعيد ميلادها الـ28 في غزة، لم تكن تعلم أن اليوم التالي سيقلب حياتها وحياة أطفالها رأسًا على عقب. بعد يوم واحد فقط، شنت حركة حماس هجومها على إسرائيل، لتبدأ حربٌ إسرائيلية مستمرة دخلت ذاكرة الفلسطينيين كفصل مأساوي من النزوح والمعاناة.

وُلِدت سويدان في يوم عيد ميلادها، الذي صار لاحقًا مرتبطًا ببداية الإبادة الجماعية في غزة. وتستعيد ذكرياتها لموقع “ميدل إيست آي” قائلة: “كان يومًا مميزًا، يوم جمعة. تناولت أطباق الشوكولاتة والبوظة والمشروبات المثلّجة المحلاة، بالإضافة إلى لحم الضأن المشوي والدجاج وورق العنب المحشو… كان يومًا جميلًا”.

المعلّمة في مدارس الأونروا، والتي وصلت حاليًا إلى بريطانيا ضمن منحة دراسية، تبتسم عند استذكار تلك اللحظات قبل اندلاع الحرب ونزوح عائلتها القسري. وتضيف: “أول شارع قصفته إسرائيل كان شارعنا… نزحنا منذ اليوم الأول”.

اقترح زوجها المغادرة فورًا مع طفليهما، وكان عبد الرحمن رضيعًا حينها. تقول سويدان: “أخذت فقط مساحيقي وبعض الأشياء… كنت متأكدة أنني لن أعود إلى المنزل”. وبعد 12 يومًا من اندلاع الحرب، دُمّر منزلهم في برج الأندلس المكوّن من 13 طابقًا، أحد أطول الأبراج في غزة.

وتتابع: “لم أشعر بالأسى أو الحزن، لأن كثيرين كانوا يفقدون أحبّاءهم”. وتؤكد أن “الأمور عشوائية تمامًا عندما يتعلق الأمر بقتل الفلسطينيين، ليست عمليات استهداف”.

معاناة الغزيين بين النزوح وفقدان الأسرة وسط هدنة وهمية

قواعد التأشيرة البريطانية تُفكّك العائلات وتُبقي أطفال غزة تحت الحصار

تعكس ملامح سويدان حجم المعاناة والفقد والانفصال الذي تركته الإبادة الجماعية، وهي أثمان لا يمكن قياسها. لكنها تقول إن الموت لم يكن ما تخشاه: “ليست المسألة كلها عن الموت. كنت أخشى فقدان الناس، أو فقدان أعضاء من جسدي، أو أن أُترك أنزف دون أن يساعدني أحد. لكن الموت نفسه لم يكن مخيفًا بالنسبة لي”.

فقدت سويدان جدّها وعددًا من أقاربها خلال الإبادة الجماعية، وبعد عامين من النزوح وصلت إلى بريطانيا ضمن منحة دراسية. ولم تغادر غزة قط طوال الثلاثين عامًا الماضية بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 2006، ما جعل الخروج أمرًا بالغ الصعوبة.

وفي فعالية إطلاق أنطولوجيا “ما زلنا هنا” في برايتون الشهر الماضي، عبّرت سويدان عن أسفها العميق لترك طفليها في غزة، بعدما ظنت خطأً أنهما سيتمكّنان من اللحاق بوالدهما في مصر بعد وقف إطلاق النار. ومع ذلك، لا تزال إسرائيل ترفض فتح معبر رفح كما ينص اتفاق الهدنة.

الهجرة القسرية وألم الانفصال

قواعد التأشيرة البريطانية تُفكّك العائلات وتُبقي أطفال غزة تحت الحصار

سويدان واحدة من نحو 100 طالب من غزة ساعدت بريطانيا على إجلائهم خلال الأسابيع الأخيرة، ضمن برنامج أعلنته حكومة العمال في أغسطس، وسط تصاعد الاحتجاجات والانتقادات لتواطؤ بريطانيا مع الإبادة في غزة. ويقول مصدر مطّلع على سياسة الحكومة البريطانية تجاه طلاب غزة: “الجامعات قاتلت فعليًا من أجل إجلاء طلابها”، رغم أن قوانين التأشيرات تسمح فقط لطلبة الدكتوراه والحاصلين على منحة تشيفنينغ بجلب أسرهم، فيما يُحرم طلاب المنح الأخرى، رغم التمويل الكامل، من هذا الحق.

تحذّر منظمات حقوقية من أن هذا يضع الكثير من الطالبات أمام خيار صعب بين أطفالهن ومواصلة تعليمهن في بريطانيا. تقول سويدان: “اعتقدت أن الهدنة ستكون حقيقية، لكن اتضح أنها مجرد كلمة لإلهاء العالم عن غزة… إنها هدنة إعلامية وهمية. وقعنا في الفخ، وأطفالي الصغار محاصرون”. وتضيف بأسى: “نسيت كم كانت إسرائيل كاذبة… لا أعرف كيف وثقت بها يومًا”.

وقد انتهكت إسرائيل الهدنة أكثر من 300 مرة منذ 10 أكتوبر، ما أسفر عن استشهاد مئات الفلسطينيين واستمرار منع معظم المساعدات. يعيش طفلاها اليوم في خيمة للنازحين في النصيرات، جنوب غزة، مع شقيقتها ووالدتها، بينما غادر زوجها القطاع إلى مصر بعد ستة أشهر من الحرب.

وتروي سويدان كيف كان ابنها الأكبر يسألها يوميًا بعد تلقيها تأكيد المنحة: “هل ستغادرين حقًا؟ هل ستتركينا؟”. وتوضح: “لست نادمة على المغادرة، لكن ندمي يأتي من الأحاسيس الهائلة التي يعيشها أطفالي”.

الفلسطينيون بلا سبيل للخروج

قواعد التأشيرة البريطانية تُفكّك العائلات وتُبقي أطفال غزة تحت الحصار

على خلاف العائلات الأوكرانية، التي استُقبلت في بريطانيا منذ بداية الغزو الروسي، لا يجد الفلسطينيون مسارات سهلة لجمع شمل العائلة، رغم الحصار والمجاعة والإبادة الجماعية.

فطالبة دكتوراه من غزة، حصلت على منحة كاملة في جامعة غلاسكو، عبّرت عن شعورها بالتحطّم بعدما رُفض طلب دخول عائلتها إلى بريطانيا، رغم أن المنحة تشمل دعمًا لعائلتها العالقة في خيمة في خان يونس. وقالت لصحيفة “الغارديان”: “المؤلم أن الحكومة البريطانية لم تكلف نفسها حتى تقديم طلب رسمي للسماح بدخول عائلتي”.

وأكد متحدث حكومي لموقع “ميدل إيست آي” أن المزيد من الطلاب سيصلون خلال هذا الشهر، وأن مغادرة أفراد عائلاتهم تُدرس “وفق كل حالة على حدة”، مشيرًا إلى أن العملية معقدة وتعتمد على عوامل خارج السيطرة، بما فيها تعاون الشركاء الدوليين.

وتطالب سويدان إسرائيل بأن “تكون بشرًا ليوم واحد فقط”، وأن تسمح بفتح المعابر لتجتمع بأطفالها. وتضيف: “ما ينطبق على بعض الشعوب لا ينطبق على الغزيين… نحن نُعامَل كأننا دون البشر”.

أطفال غزة بين الغربة والصدمات النفسية

قواعد التأشيرة البريطانية تُفكّك العائلات وتُبقي أطفال غزة تحت الحصار

رغم الدعم الكبير الذي تلقته من أساتذتها وزملائها في جامعة ساسكس، إلا أن ابتعادها عن أسرتها يثقل حياتها اليومية. وعندما يتوفر اتصال الإنترنت في غزة، تحاول طمأنة ابنها الأكبر، زين، لكنه غالبًا غاضب ومحبَط. وتروي قوله: “ماما، رسائل الخارجية البريطانية تكذب عليك… يريدون أن نظل هنا لنُقصف ونموت”.

أما طفلها الأصغر، عبد الرحمن، البالغ ثلاث سنوات، فهو مصاب بالتوحّد ويستيقظ ليلاً مناديًا على والدته. وتشير سويدان إلى أن اضطرارها للاختيار بين الطفلين يذكّرها برواية “خيار صوفي”، إذ وجدت نفسها أمام مأساة نفسية لا تقل وطأة عن التهجير المباشر.

وتضيف أن ابنها الأكبر تغيّر بالكامل بعد عامين من النزوح وفقدان حقوق الطفولة: “كان يتحدث الإنجليزية بطلاقة ويشاهد Peppa Pig و Curious George… الآن فقد كل ذلك. أصبح غير متعلم، غير محتضَن، دائم الصراخ ومتوتّر… هذا هو زين الجديد”، كما تقول.

الحرب تهدد التعليم في غزة

قواعد التأشيرة البريطانية تُفكّك العائلات وتُبقي أطفال غزة تحت الحصار

خلال عملها كمعلمة في مدارس الأونروا، لاحظت سويدان تدهور التعليم بشكل كبير، قائلة: “هناك 47 إلى 52 طفلًا في الصف الواحد… مستوى الطلاب في نهاية الحرب سيكون كارثيًا”.

وتشير إلى أن إسرائيل تستهدف التعليم بشكل ممنهج من خلال تدمير المدارس والجامعات واستهداف المعلمين، مضيفة: “مع تحويل المدارس إلى مراكز إيواء، حاولت تمكين الأهالي بمهارات الحساب والقراءة لضمان استمرار التعلم”.

وتختتم فلسفتها قائلة: “إذا متنا، فقد متنا… لكن ما دمنا أحياء، نتعلم. الحمد لله أن لدي فرصة أن أكون متعلمة بما يكفي لأعرف كيف أحلم. أين الخطر في أن أحضر أطفالي معي لمدة 9 أشهر فقط؟”

السياسات البريطانية الصارمة على تأشيرات الطلاب الفلسطينيين، ولا سيما منع مرافقة الأطفال، تُعدّ عقبة كبيرة أمام الأسر الفلسطينية، خصوصًا في ظل الحصار والإبادة الجماعية في غزة. هذا الواقع يؤدي إلى تفكيك العائلات الفلسطينية ويزيد من معاناتها الإنسانية.

هناك حاجة ملحة لمراجعة هذه السياسات وفتح مسارات طارئة تسمح للطلاب بجلب أسرهم، بما يتماشى مع المعايير الإنسانية والقانون الدولي ويخفف من معاناة الأطفال والأمهات في القطاع المحاصر.

المصدر : ميدل إيست آي


إقرأ أيضًا :

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة