سياسي بريطاني يراجع موقفه من إسرائيل.. هل هي بداية تحول الموقف الرسمي داخل بريطانيا؟
في العادة لا ينتظر الصحفيون من السياسيين البريطانيين اعترافًا بالخطأ، فكيف بإقرارٍ بالمسؤولية الأخلاقية عن الصمت أمام جريمة؟
لكن المفاجأة جاءت حين اتصل الصحفي والكاتب بيتر أوبورن بالوزير البريطاني السابق لشؤون الشرق الأوسط أليستر بيرت، ليواجهه بتقاعسه عن إدانة إسرائيل بعد مقتل عشرات الفلسطينيين في «مسيرات العودة الكبرى» عام 2018.

يروي أوبورن تفاصيل تلك المكالمة في مقاله المنشور بموقع ميدل إيست آي (Middle East Eye)، حيث يوثق لحظة الصمت التي سبقت ردّ الوزير السابق، قبل أن يقول: «أعرف ما فعلته حق المعرفة، وأعرف لماذا فعلته، وهو أمر مؤلم. فكّرت في ذلك كثيرًا».
وأضاف مشيرًا إلى قضية المسعفة رزان النجار التي أُعدمت برصاص قنّاص إسرائيلي: “لقد كانت مستهدفة بوضوح وقُتلت عمدًا”.
كان هذا أول اعتراف من نوعه يصدر عن وزير بريطاني، وأول مرة يصف فيها بيرت ما حدث بأنه جريمة متعمّدة.
تحقيقات إسرائيل «غطاء للقتل»

تابع بيرت قائلًا: إن التحقيقات الإسرائيلية كانت «عديمة الجدوى وتُتَّخَذ غطاءً للقتل». واستشهد بحادثة أخرى حين أطلق جندي إسرائيلي قنبلة غاز مباشرة في وجه المتظاهر الفلسطيني مصطفى التميمي في قرية النبي صالح عام 2011، بينما كان يحتجّ على سرقة المياه من قريته لمصلحة المستوطنين. قال بيرت: «طالبنا بتحقيق، ووُعِدنا بردّ، لكن شيئًا لم يحدث، لا أتذكر أننا تلقينا أي إجابة أصلًا».
سياسة الإنكار البريطانية
يرى الكاتب أن تصريحات بيرت تُنهي صمتًا رسميًّا استمر سنوات، إذ دأب الوزراء البريطانيون على الاحتماء وراء «الضمانات الإسرائيلية» الزائفة لتبرير صمتهم حيال ما أصبح يوصف على نطاق واسع بأنه إبادة في غزة.
في كانون الأول/ديسمبر 2023، ومع تواصل القصف الإسرائيلي وتجريف الأحياء السكنية، طالب النائب العمالي ريتشارد بورغون الحكومة بوقفٍ فوريٍ لإطلاق النار، مستشهدًا بتقارير من «هيومن رايتس ووتش» و«العفو الدولية» ومفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، أكدت أن تجويع المدنيين في غزة يُعدّ جريمة حرب.

لكن وزير الدولة المحافظ أندرو ميتشل ردّ بتأكيد ثقته في «كلمات الرئيس إسحاق هرتسوغ» الذي تعهّد باحترام القانون الدولي الإنساني. منذ ذلك الحين، تبيّن زيف تلك الوعود، ومع ذلك لم يصدر أي اعتراض رسمي من الوزراء البريطانيين. بل إن رئيس الوزراء كير ستارمر استقبل هرتسوغ في مقر الحكومة بعد أشهر من توثيق جرائم الحرب في غزة.
نمط متكرر من الإنكار
من مقتل الطفلة هند رجب (ست سنوات) في كانون الثاني/يناير 2024 إلى مجزرة رفح التي أودت بخمسة عشر عامل إغاثة، من بينهم ثمانية مسعفين، تتكرّر الرواية نفسها: أولًا الإنكار، ثم التبرير، ثم الاعتراف بعد فوات الأوان.

هند كانت مع عائلتها في سيارة حاولت الفرار من القتال في غزة، حين أطلقت القوات الإسرائيلية النار مئات المرات على السيارة. في تسجيل صوتي لاتصالها بجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، كانت ابنة عمّها تصرخ قائلة إن الدبابات تقترب، قبل أن تنقطع الأصوات بطلقات نارية متتالية. وبعد التحقيقات التي أجرتها «فورِنسك أركيتكتشر» و«الجزيرة» و«واشنطن بوست»، تبيّن أن دبابة إسرائيلية كانت بالفعل في المكان.
وفي مجزرة رفح، قال الجيش الإسرائيلي: إن سيارات الإسعاف كانت «تتقدم بطريقة مريبة»، لكن الفيديوهات أظهرت أنها كانت تُظهر إشارات الإنقاذ بوضوح. لاحقًا اعترفت إسرائيل بأنها «أخطأت».
حتى في اقتحام مستشفى الشفاء في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، رُوّجت رواية كاذبة عن مركز قيادة تحت الأرض لحماس، لم تقدَّم بشأنها أي أدلة حقيقية. ومع ذلك لم تشكك الحكومة البريطانية ولا هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في هذه الرواية.
يطرح الكاتب سؤالًا حاسمًا: إذا كانت إسرائيل تملك هذا السجل الطويل من الإنكار والكذب، فلماذا تواصل الحكومة البريطانية تصديقها؟ ولماذا تمنحها وسائل الإعلام الغربية المنابر لتكرار أكاذيبها؟
من شيرين أبو عاقلة إلى رزان النجار
يذكّر الكاتب باغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة عام 2022، حين أنكرت إسرائيل مسؤوليتها وقدّمت روايات متناقضة، قبل أن تثبت منظمة «بتسيلم» الحقوقية الإسرائيلية زيف تلك الادعاءات.

ويختم الكاتب بالعودة إلى رزان النجار، المسعفة التي حاولت إنقاذ الجرحى قرب حدود غزة عام 2018، فاتهمها الجيش الإسرائيلي بأنها «درع بشري» وأصدر مقطعًا مجتزأً من مقابلة لتشويهها. التحقيقات اللاحقة أثبتت أن رصاصة واحدة أصابتها في الصدر وخرجت من ظهرها، وأنها لم تشكل أي خطر على الجنود.
اعتراف بيرت اليوم، كما يقول الكاتب، كسر حاجز الصمت داخل المؤسسة البريطانية التي التزمت عقودًا بسياسة تبرير الجرائم الإسرائيلية أو تجاهلها. وقد يكون هذا الاعتراف بداية لتغيير في الموقف الرسمي البريطاني، إذا تجرأ آخرون على قول الحقيقة كما فعل.
شجاعة متأخرة!
تشير منصة العرب في بريطانيا (AUK) إلى أن هذا الاعتراف غير المسبوق من مسؤول بريطاني سابق يكشف عن أزمة أخلاقية عميقة في السياسة الغربية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ففي الغالب يلتزم المسؤولون الصمت ما داموا في مناصبهم، ويدافعون عن الرواية الرسمية أو يتسترون على الأكاذيب بذريعة «المسؤولية الدبلوماسية»، ثم يكشف بعضهم عن شجاعة متأخرة بعد مغادرة المنصب حين تصير الحقيقة مجانية بلا تكلفة سياسية.
وترى المنصة أن هذه المفارقة -بين الخوف أثناء الخدمة والاعتراف بعد التقاعد- أصبحت سمة راسخة في المواقف الغربية من جرائم إسرائيل، إذ تتحول الأخطاء السياسية إلى توبة متأخرة بدل أن تكون مراجعة حقيقية. إن تغيير هذا النمط يبدأ بمحاسبة الحكومات والمؤسسات التي ما زالت ترى الروايات الإسرائيلية مصادر موثوقة، وتغضّ الطرف عن الانتهاكات الموثقة بحق المدنيين الفلسطينيين.
المصدر: ميدل إيست آي
اقرأ ايضا
الرابط المختصر هنا ⬇

بريطانيا كانت ومازالت أحد أهم الأسباب في نكبة الفلسطينيين أما امريكا وباقي الغرب فليس بأحسن حال.
والدول العربية والإسلامية تتحنّل الوزر الأكبر.
سؤال إذا انتهت إسرائيل اين سيذهب هؤلاء المجرمون؟
ضعفهم في جزيرة بعيدة عن الإنسانية