العرب في بريطانيا | لماذا نشعر بالسعادة عندما نتناول الطعام معًا؟

1447 رجب 1 | 21 ديسمبر 2025

لماذا نشعر بالسعادة عندما نتناول الطعام معًا؟

لماذا نشعر بالسعادة عندما نتناول الطعام معًا؟
عبلة قوفي November 29, 2025

منذ القدم، كان الطعام أكثر من مجرد وسيلة للبقاء على قيد الحياة؛ كان نقطة التقاء، وجسرًا للروابط الإنسانية. حول نار المخيمات البدائية، اجتمع البشر ليتشاركوا اللحظات، يضحكون، ويتحدثون، ويجدون الأمان في جماعة صغيرة. عبر آلاف السنين، ظلت هذه اللحظات الصغيرة من المشاركة قائمة، متجذرة في وجداننا، حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، من حفلات الأعياد إلى وجبات العشاء العائلية، ومن لقاءات الأصدقاء إلى المناسبات الاجتماعية الكبرى.

un groupe de personnes assises autour d’une table en train de manger de la nourriture

لكن لماذا لا يزال هذا التقليد يحتفظ بأهميته العميقة؟ وما الذي يجعل مجرد مشاركة الطعام تجربة قادرة على تعزيز السعادة، والثقة، والترابط الاجتماعي؟ وهل يمكن أن يكون لتناول وجبة واحدة مع الآخرين تأثير أكبر مما نتصور على صحتنا النفسية والاجتماعية؟

إنه أمر طبيعي وشائع في جميع المجتمعات: نستمتع بالجلوس مع الآخرين لتناول وجبة شهية. سواء في الخارج مع الأصدقاء، أو في حفلات العشاء، أو في احتفالات الأعياد، فإن مشاركة الطعام جزء من حياتنا اليومية، حتى إن غيابه أحيانًا يصبح ملحوظًا ويثير القلق المجتمعي.

على سبيل المثال: تتصدر أخبار تراجع وجبات العشاء العائلية العناوين بانتظام، ويُظهر التاريخ أن هذا القلق ليس حديثًا، بل يمتد لأكثر من مئة عام. كل هذا يشير إلى أن مشاركة الطعام ليست مجرد عادة اجتماعية، بل تحمل تأثيرًا عميقًا على حياتنا.

جذور قديمة للتقليد

personnes mangeant à table avec des aliments

يعود سلوك مشاركة الطعام إلى ما قبل الإنسان الحديث، ولا يقتصر على الإنسان فقط، فحتى حيوانات الشمبانزي والبونوبو تشارك الطعام مع مجموعاتها. لكن تقديم الطعام وحده لا يكفي؛ ما يميز البشر هو الجلوس معًا لتناول الوجبة، وهو فعل اجتماعي معقد كما يوضح عالم الاجتماع نيكلاس نيومان من جامعة أوبسالا.

ربما كانت أول وجبة مشتركة حول نار المخيم، حيث بذل الإنسان أو أسلافه جهدًا كبيرًا في الصيد أو جمع الطعام، وإشعال النار، وطهي الوجبة، كل ذلك ضمن شبكة دعم اجتماعية. وحتى بين الرئيسيات، لا يجتمع إلا بعض الأنواع، مثل البونوبو، لتناول الطعام معًا.

الطعام بوصفه أداة للترابط الاجتماعي

bol de tomates servi sur la main d’une personne

الجلوس حول النار، التي تمنح الدفء والضوء وسط الظلام، ربما منح أسلافنا ساعات إضافية للتواصل والترابط الاجتماعي، كما يشير روبن دنبار، عالم الأنثروبولوجيا البيولوجية بجامعة أكسفورد. وفي العصر الحديث، أظهرت دراسة دنبار عام 2017 أن تناول الطعام مع الآخرين يرتبط برفاهية أكبر، وزيادة الرضا عن الحياة، ووجود شبكة أصدقاء يعتمد عليهم الشخص. وليس هذا فحسب؛ فالنشاط المشترك أثناء الوجبات يحفز إفراز الإندورفين في الدماغ، ما يعزز الروابط الاجتماعية بنفس طريقة ممارسة الرياضة الجماعية.

تأثير الطعام على الثقة والتعاون

pizza sur plaque en céramique blanche

الصحفيتان سينثيا غرايبر ونيكولا تويلي اكتشفتا أن مشاركة الطعام تجعل الآخرين أكثر ثقة بك. وفي دراسة لمحاكاة استثمارية، أعطى الناس المزيد من المال لشخص تناولوا معه نفس الحلوى سابقًا، وكانوا أسرع في الوصول إلى حلول مُرضية للتفاوض. هذه الظاهرة تعكس أثرًا قديمًا، حيث كان تشابه الأذواق الغذائية يدل على القيم المشتركة.

ومع ذلك، فإن تناول الطعام مع الآخرين ليس تجربة سعيدة على الدوام. فالولائم قد تكون أدوات للسيطرة أو الاستعراض الاجتماعي، سواء في تقليد الحصاد أو حفلات الشركات. حتى الوجبات العائلية المنتظمة قد تحمل الخلافات والنقد، كما يوضح نيومان: “يمكن أن تكون تجربة ممتعة، لكنها أيضًا مكان للسيطرة والهيمنة”.

وفي دراسة أخرى لكبار السن في السويد، وجد نيومان أن معظمهم لا يشعر بالضيق عند تناول الطعام بمفردهم، ما لم يكن مصحوبًا بالوحدة. إذن تناول الطعام مع الآخرين مفيد، لكن أحيانًا يكون الانفراد فرصة للراحة والتأمل، مثل الجلوس بمفردك وقراءة كتاب.

إن تناول الطعام مع الآخرين ليس مجرد عادة، وإنما هو فعل اجتماعي ونفسي يحمل فوائد كبيرة على الصحة النفسية، والثقة، والعلاقات. ومع ذلك، يحتاج الإنسان إلى التوازن بين المشاركة والانفراد؛ ليحافظ على صحته ورفاهيته ويعيش التجربة بكل وعي وتأمل.

المصدر: بي بي سي


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة