تحقيق لبي بي سي يفضح معاناة المهاجرين داخل الفنادق البريطانية

في أحد الفنادق البريطانية، تفصل سلسلة من أضواء الزينة بين نصفي غرفة صغيرة تتقاسمها الطفلة شايان (12 عامًا) مع شقيقها رومان (14 عامًا).
في ركنها الصغير من الغرفة، رتبت شايان صناديق أحذية تستخدمها لحفظ دفاترها ومستحضرات التجميل ومجوهراتها.
الغرفة خانقة؛ النوافذ مغلقة بإحكام حفاظًا على السلامة، والستائر مسدلة طوال اليوم لمنع الغرباء من النظر، والتكييف لا يعمل بانتظام.
ورغم أن الفندق لا يبعد كثيرًا عن الساحل، فإن عائلة شايان نادرًا ما تغادره منذ تسع سنوات، بعد أن فرت من العراق ودخلت نظام الهجرة البريطاني.
تقول شايان: “أراد والدانا مستقبلًا أفضل لنا، ولهذا جئنا إلى هنا. أنفقنا آلاف الباوندات فقط للوصول إلى إنجلترا، ولأي شيء؟ لنُحبس في فندق ونتعرض للمضايقة ولا يُسمح لوالديّ بالعمل.”
التحقيق الذي كسر جدار الصمت

الصحفية سو ميتشل من بي بي سي (BBC) استطاعت الدخول إلى أربعة فنادق للمهاجرين هذا الصيف، في خطوة نادرة إذ يُمنع عادة دخول الصحفيين إلى أماكن إقامة طالبي اللجوء.
دخلت ميتشل كزائرة بدعوة من بعض المقيمين الذين تعرفت عليهم سابقًا في مخيمات اللاجئين في فرنسا، بهدف معرفة ما يدور خلف الأبواب المغلقة بينما يحتدم الجدل السياسي حول أعداد المهاجرين واستخدام الفنادق كمساكن مؤقتة لهم.
وتصف ميتشل المشهد بقولها إن الأوضاع كانت صادمة حتى بالنسبة لصحفية تمتلك أكثر من عشرين عامًا من الخبرة في تغطية قضايا تهريب البشر والهجرة.
فقد التقت طالبي لجوء يعتقدون أن إنجاب طفل في بريطانيا قد يمنحهم فرصًا أفضل للحصول على اللجوء أو المساعدات، كما شاهدت آخرين يعملون في السوق السوداء رغم حظر العمل أثناء دراسة الطلبات.
كما رصدت الصحفية الاستخدام المفرط لسيارات الأجرة التي تقل المهاجرين إلى المواعيد الطبية على نفقة الحكومة البريطانية، دون أن تتمكن وزارة الداخلية من تحديد التكلفة الإجمالية أو الإفصاح عنها.
لاجئون يبحثون عن علاج… وآخرون يشككون في نوايا البعض
في مشاهد أخرى، التقت ميتشل مهاجرين صرحوا بأنهم جاؤوا إلى المملكة المتحدة بحثًا عن علاج طبي لا يستطيعون تحمُّل تكلفته في بلدانهم.
ومن بينهم امرأة عراقية مصابة بسرطان في مرحلته الرابعة، رُفض طلب لجوئها لكنها قدمت استئنافًا جديدًا على أمل أن تتمكن خلال فترة الانتظار من الاستمرار في تلقي العلاج عبر هيئة الصحة الوطنية (NHS).
أما والد شايان، كادر، فكان له رأي ناقد لبعض المقيمين في الفندق نفسه، إذ قال: “كثير منهم ليست لديهم مشكلة حقيقية، هم فقط يأتون لتغيير حياتهم. لديهم منازل وسيارات جميلة، لكن لأن بعض أقاربهم يعيشون في المملكة المتحدة يقولون لهم: تعالوا، فالحياة هنا أفضل لأن بريطانيا غنية بالمال.”
ردود فعل حكومية بعد بث التحقيق
بُث التحقيق ضمن برنامج “File on 4” على إذاعة BBC Radio 4 الأسبوع الماضي، وأثار موجة واسعة من ردود الفعل السياسية والإعلامية.
إذ أعلنت وزيرة الداخلية شابانا محمود فتح مراجعة شاملة لتكاليف نقل طالبي اللجوء إلى المواعيد الطبية، بعد الكشف عن حالة بلغت تكلفتها 600 باوند لرحلة تاكسي واحدة.
أما رئيس الوزراء كير ستارمر، فقد أكد التزامه بإنهاء استخدام الفنادق لإيواء طالبي اللجوء، قائلاً: “أريد أن تُفرَّغ الفنادق بأسرع وقت ممكن.” لكن سرعان ما انتقل النقاش السياسي إلى قضايا أخرى.
فقد اتهم ستارمر حزب “ريفرم” بالعنصرية بعد مطالبته بإلغاء نظام الإقامة الدائمة، بينما أكدت وزيرة الداخلية مجددًا أن “المهاجرين يجب أن يكسبوا حقهم في العيش في بريطانيا”.
ورغم ذلك، ظل السؤال الأهم معلقًا: ماذا عن 100 ألف مهاجر يعيشون بالفعل في هذا النظام، بتكلفة سنوية تقارب 2.1 مليار باوند؟
دعوات لتشديد الانضباط داخل الفنادق
يعتقد كورتِس، أحد حراس الأمن في أحد الفنادق، أن على المقيمين الالتزام ببرنامج منظم يشمل دروس لغة إلزامية وجدولًا يوميًا يمنع العمل غير القانوني، إضافة إلى مساهمتهم في تنظيف الفندق والحفاظ عليه.
وقال: “إذا كنت تعيش هنا، فعليك أن تتعامل معه كمنزلك. هل كان الجميع في بلادكم يخدمونكم؟”
ويرى كورتِس أن بريطانيا يمكن أن تستفيد من تجربة ألمانيا التي تعمل على تسريع الترحيلات، وتشجيع العمالة الماهرة، وتنظيم الاندماج من خلال دورات لغوية شاملة، بما يساعد اللاجئين الذين تُقبل طلباتهم على الاندماج والمساهمة الاقتصادية لاحقًا.
خنق الأصوات داخل الفنادق
بعد أيام قليلة من بث التحقيق، تلقت ميتشل اتصالًا من أحد طالبي اللجوء الذين تحدثوا إليها، أبلغها بأن إدارة الفندق بدأت في البحث عن المقيمين الذين تعاونوا مع الصحفية.
وأوضح أنه تلقى رسالة رسمية جاء فيها: “يُمنع منعًا باتًا إدخال أي عضو من وسائل الإعلام إلى المبنى تحت ستار كونه زائرًا.”
وقال المهاجر غاضبًا: “ليس هناك حرية في التحدث. إنهم لا يريدون أن يخرج أي شيء من داخل الفندق إلى العلن. يريدون إخفاء كل شيء.”
رغم ذلك، يرى كثيرون أن ما كشفه التحقيق أخرج إلى النور جانبًا خفيًا من معاناة طالبي اللجوء، وأعاد طرح أسئلة جوهرية حول كفاءة وشفافية نظام الهجرة في بريطانيا.
وترى منصة العرب في بريطانيا (AUK) أن هذا التحقيق يسلّط الضوء على واحدة من أكثر القضايا الإنسانية إلحاحًا في المملكة المتحدة، وهي إدارة ملف الهجرة واللجوء بطريقة تحترم الكرامة الإنسانية وتضمن الشفافية في الإنفاق العام.
وتؤكد المنصة أن معالجة هذه الأزمة لا يجب أن تقتصر على خفض الأعداد أو إنهاء استخدام الفنادق، بل يجب أن تشمل إصلاحًا شاملًا للنظام يوازن بين العدالة والرحمة، ويوفر للمهاجرين فرصًا حقيقية للاندماج والمساهمة في المجتمع البريطاني بدلًا من عزلهم في ظروف غير إنسانية.
المصدر: spectator
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇