العرب في بريطانيا | المسلمون في الغرب بين مطرقة اليمين المتطرف وسند...

1447 جمادى الأولى 22 | 13 نوفمبر 2025

المسلمون في الغرب بين مطرقة اليمين المتطرف وسندان اليسار الليبرالي: تحدي الهوية والاندماج

المسلمون في الغرب بين مطرقة اليمين المتطرف وسندان اليسار الليبرالي: تحدي الهوية والاندماج
محمد صالح November 12, 2025

تُعدّ الأسرة المسلمة اللبنة الأساسية في بناء المجتمع الإسلامي، إذ تقوم بدورٍ محوري في تربية الأبناء على القيم الدينية والأخلاقية، وتعليمهم التوازن بين الهُوية الإسلامية ومتطلبات الحياة المعاصرة.

ومع انتقال أعداد متنامية من المسلمين إلى المجتمعات الغربية، برزت الأسرة المسلمة بوصفها الحاضن الأول للهُوية الإسلامية، محاوِلةً الحفاظ على جذورها الدينية والثقافية في بيئة تختلف في قيمها ومعاييرها عن المرجعية الإسلامية. غير أن المجتمع المسلم في الغرب يجد نفسه اليوم أمام معضلة معقدة، يحاول من خلالها الموازنة بين ضغوط تيارين متناقضين في الساحة الغربية: اليمين المحافظ واليسار الليبرالي.

فاليمين المحافظ يرفع شعار الدفاع عن الأسرة التقليدية، ويؤكد أهمية الحفاظ على القيم الأخلاقية والاستقرار الأسري، وهي مبادئ تتقاطع جزئيًّا مع التصور الإسلامي للأسرة. غير أن هذا التقاطع لا يُخفي حقيقة المواقف العدائية التي يتبناها كثير من رموز اليمين تجاه الإسلام والمهاجرين.

فخطابه القومي المتشدد يربط الهجرة بفقدان الهُوية الوطنية وبالخطر الثقافي، ما يجعل المسلم رغم التزامه بالقوانين واحترامه للنظام العام في موضع شك دائم. وهكذا يتحول الشعار الأخلاقي المحافظ إلى غطاء لموقف إقصائي يرفض الآخر المختلف دينيًّا وثقافيًّا، ويغلق أمامه أبواب المشاركة والاعتراف.

في المقابل، يقدّم اليسار الليبرالي نفسه بوصفه المدافع عن حقوق الإنسان والتعددية والانفتاح الثقافي، وهو ما يمنح المسلمين مساحة من القبول والاحترام في المجال العام.

إلا أن هذا الانفتاح مشروط في كثير من الأحيان بقبول منظومة قيمية تتعارض مع الأسس الدينية للمسلمين. فالفكر الليبرالي الحديث أعاد تعريف مفاهيم الأسرة والهُوية والعلاقات الاجتماعية، وجعل الحرية الفردية معيارًا وحيدًا للسلوك الإنساني.

وهو ما يضع المسلم أمام تحدٍّ حقيقي حين يُطلب منه التسامح بل القبول بمفاهيم مثل تعدد الهُويات الجنسية والعلاقات خارج الإطار الشرعي، باعتبارها جزءًا من القيم الحديثة التي ينبغي للجميع احترامها.

وبين مطرقة اليمين المحافظ وسندان الانفتاح الليبرالي، يجد المسلمون أنفسهم أمام مأزق فكري واجتماعي معقد. فبينما يرفضهم الأول بدعوى تهديد الهُوية القومية، يشترط الثاني عليهم التخلي عن بعض ثوابتهم ليكونوا جزءًا من المجتمع الحديث.

وهكذا يتحول الاندماج، الذي يُفترض أن يكون تفاعلًا طبيعيًّا قائمًا على الاحترام المتبادل، إلى عملية مرهقة تتطلب من المسلم جهدًا مستمرًّا لإثبات ولائه وانتمائه، لا سيما مع تصاعد الخطابات السياسية والإعلامية التي تثير الشكوك بشأن وجود المسلمين وقيمهم.

ومع ذلك، يظل المسلمون في الغرب يسعون لإثبات انتمائهم الإيجابي لنسيج المجتمعات التي يعيشون فيها، والتي تعلن في مبادئها احترام التعددية والحرية. غير أن هذا الانتماء لا يعني التخلي عن الهُوية، بل تأكيد حضورها في فضاء مدني متنوع، يتيح التفاعل البنّاء بين القيم المختلفة دون صدام أو إلغاء.

ومع تصاعد سقف التوقعات والضغوط المفروضة على المسلمين لإثبات الولاء والانتماء، أصبحت عملية الاندماج أكثر إرهاقًا وتعقيدًا، حتى غدت في كثير من الأحيان  اختبارًا مستمرًّا للهُوية، لا مجرد تفاعلٍ طبيعي بين الثقافات.

لعلها تأملاتٌ بصوتٍ عالٍ في واقعٍ متشابك، نحاول من خلالها مقاربة التحديات التي تواجه المسلمين في الغرب، دون ادعاء امتلاك الحقيقة.


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة