الغارديان: مجازر الفاشر تعيد كوابيس الإبادة الجماعية في إفريقيا
شهدت مدينة الفاشر في إقليم دارفور السوداني دمار مروع عقب سيطرة قوات الدعم السريع عليها نهاية الأسبوع الماضي.
وفقًا لتقارير الغارديان، ارتكبت القوات مجازر بحق مئات المرضى والعاملين في المستشفيات، وأعدمت رجالًا غير مسلحين من مسافة قريبة، بينما جُرّد المدنيون الفارون من ممتلكاتهم وتعرضوا للابتزاز مقابل فدية.
اللافت أن مرتكبي هذه الجرائم وثقوا الكثير من أعمال العنف بأنفسهم، في مشهد يعيد إلى الأذهان أهوال الإبادة الجماعية في إفريقيا خلال العقود الماضية.
تكرار مأساة الجنينة ومخيم زمزم

تشير التقارير إلى أن ما حدث في الفاشر ليس سوى تكرار لنمط دموي معروف. ففي عام 2023، قُتل نحو 15 ألف مدني، في الجنينة، عاصمة غرب دارفور، على أيدي قوات الدعم السريع وميليشيات متحالفة معها، حيث أُحرقت المنازل ومخيمات النازحين بالكامل.
وفي أبريل الماضي، شهد مخيم زمزم جنوب الفاشر – الذي كان يضم نصف مليون نازح – مجزرة مروعة أودت بحياة أكثر من 1500 مدني خلال 72 ساعة، وسط شهادات عن إعدامات جماعية واختطافات طالت النساء والأطفال.
نتيجة لذلك، نزح مئات الآلاف من الأشخاص، وانتقل كثير منهم إلى مدينة الفاشر التي أصبحت بدورها مسرحًا لمجزرة جديدة.
آلاف القتلى منذ سقوط المدينة
منذ استيلاء قوات الدعم السريع على الفاشر في 26 أكتوبر، تشير التقديرات إلى مقتل آلاف المدنيين، بينما لا تزال الأرقام الحقيقية مجهولة بسبب الانقطاع شبه الكامل للاتصالات.
وكانت منظمات إنسانية قد حذّرت على مدى 18 شهرًا من “مجزرة وشيكة”، إذ إن طبيعة هجمات الدعم السريع السابقة جعلت وقوع الكارثة مسألة وقت لا أكثر.
خلفية العدوان: حرب على السلطة بين البرهان وحميدتي
اندلعت الحرب بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) في أبريل 2023
ومع مرور عامين ما يقارب العامين على الحرب، بلغ عدد النازحين 13 مليون شخص، منهم 4 ملايين عبروا الحدود، فيما يحتاج نصف سكان السودان إلى مساعدات غذائية عاجلة.
وتُعد هذه الحرب أسوأ عدوان في العالم حاليًا، وفق مؤشرات الأمم المتحدة.
جرائم حرب وإبادة جماعية مستمرة

منذ اندلاع الحرب، وثقت منظمات دولية مجازر ذات طابع عرقي ارتكبتها قوات الدعم السريع في دارفور.
وفي يوليو الماضي، أكدت نزهت شميم خان، نائبة المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، أمام مجلس الأمن أن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ما تزال تُرتكب في دارفور.
وفي تقرير أممي حديث، اتُهم الطرفان المتحاربان، الدعم السريع والجيش، بارتكاب جرائم حرب واسعة النطاق.
وفي يناير الماضي، أعلن وزير الخارجية الأمريكي آنذاك أنتوني بلينكن أن قوات الدعم السريع ارتكبت جريمة إبادة جماعية في دارفور، بينما نفت الأطراف المعنية تلك التهم.
فشل خارطة الطريق للسلام
في الشهر الماضي، اتفقت الولايات المتحدة والإمارات والسعودية ومصر ضمن “الرباعية الدولية” على خارطة طريق للسلام في السودان، تضمنت هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر لإيصال المساعدات، تعقبها هدنة دائمة.
إلا أن الخطة لم تُنفذ، إذ واصلت قوات الدعم السريع تطويق الفاشر وسط تحذيرات متزايدة من وقوع مجازر، وهو ما حدث بالفعل لاحقًا.
وقالت كيت فيرغسون، المديرة المشاركة في منظمة Protection Approaches البريطانية: “لقد كان ما حدث متوقعًا. لا يمكن لأي رئيس أو وزير خارجية الادعاء بأنه لم يكن على علم بما سيحدث.”
إخفاق الجيش السوداني في حماية المدنيين
وصرح الناشط الحقوقي محمد بدوي من مركز إفريقيا للعدالة ودراسات السلام أن القوات المسلحة السودانية تتقاعس عن حماية المدنيين في الفاشر بعد انسحابها منها، حيث أن الجيش “ترك المدنيين يواجهون مصيرهم”، تمامًا كما حدث في الجنينة سابقًا.
عودة أشباح دارفور الأولى
تشبه المجازر الحالية تلك التي وقعت في بداية الألفية، عندما قُتل أكثر من 200 ألف شخص في إبادة دارفور الجماعية التي نفذتها ميليشيات الجنجويد التابعة لنظام عمر البشير. وتحوّلت تلك الميليشيات لاحقًا إلى قوات الدعم السريع، التي ما زالت تستخدم الأسلوب ذاته من القتل والتطهير العرقي حتى اليوم.
وقال الباحث أليكس دي وال من جامعة تافتس: “قوات الدعم السريع تمارس هذا النمط من العمليات العسكرية منذ أكثر من 20 عامًا، وأول حادثة موثقة شارك فيها حميدتي شخصيًا تعود إلى نوفمبر 2004 في بلدة تُدعى عدوة.”
تشابه مع رواندا وليبيريا

قارن بعض الخبراء مجازر الفاشر ببدايات الإبادة في رواندا عام 1994، حين قتل متطرفو الهوتو أكثر من 800 ألف شخص خلال مئة يوم. ورأى آخرون تشابهًا مع الحرب الأهلية الليبيرية (1989–1997)، إذ كان الذهب في السودان والماس في ليبيريا وقودًا للعنف. ويشير التاريخ إلى أن طريق العدالة في مثل هذه الجرائم كان دائمًا طويلًا ومعقدًا، كما حدث في رواندا وليبيريا ودارفور نفسها.
أدلة دامغة ووثائق مصورة
كشفت الغارديان أن مقاتلي الدعم السريع نشروا مقاطع مصورة لعمليات الإعدام كنوع من الحرب النفسية لإرهاب خصومهم.
حلّل مختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل صور أقمار صناعية تُظهر جثثًا وأدلة على مجازر في مستشفيات الفاشر، منها مستشفى السعودي للولادة ومستشفى الأطفال السابق الذي حُوّل إلى مركز احتجاز.
وأكدت الصور وجود “بقع دموية واضحة” و”أجسام بشرية كثيرة ملقاة على الأرض”، ما يثبت وقوع عمليات قتل جماعي منظمة.
وروت الممرضة نوال خليل من مستشفى الفاشر الجنوبي أنها شاهدت مقاتلي الدعم السريع يقتلون ستة جرحى من الجنود والمدنيين وهم على أسرّتهم.
ورغم تصريحات حميدتي لاحقًا بأنه سيحاسب أي مقاتل ارتكب انتهاكات، فإن انقطاع الاتصالات يحول دون معرفة مصير عشرات الآلاف من المدنيين داخل المدينة.
تشير تقارير إنسانية إلى نزوح أكثر من 35 ألف شخص منذ سقوط الفاشر باتجاه مدينة الأبيض في شمال كردفان، وسط مخاوف من أن تكون الهدف القادم لقوات الدعم السريع.
اتهامات دولية للإمارات وتورط بريطاني محتمل
دعا خبراء إلى فرض ضغط دولي مباشر على الإمارات التي وُجهت إليها اتهامات بتزويد قوات الدعم السريع بالسلاح، في حين تُتهم السعودية ومصر بدعم الجيش.
وكشفت الغارديان أن معدات عسكرية بريطانية صُدّرت إلى الإمارات عُثر عليها بحوزة قوات الدعم السريع في ساحات القتال، بحسب وثائق اطلعت عليها الأمم المتحدة.
الإمارات نفت مرارًا تقديم أي دعم عسكري لأي طرف.
وقالت كايتلين هوارث من جامعة ييل: “لو كانت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي جادين حقًا، لما اكتفوا ببيانات الإدانة، بل فرضوا عقوبات فورية ومؤلمة على الإمارات وأي جهة تسلّح الأطراف المتحاربة.”
وتستنكر منصة العرب في بريطانيا (AUK) بشدة هذه الفظائع الموثقة في السودان، وترى أن صمت المجتمع الدولي وتقاعس القوى الكبرى ساهم في تكرار مأساة دارفور على نحو أكثر بشاعة.
وتؤكد المنصة أن الإفلات من العقاب هو العدو الأكبر للإنسانية في السودان، داعية إلى تحقيق دولي عاجل ومستقل، وفرض عقوبات حقيقية على الأطراف المتورطة في تسليح أو تمويل قوات الدعم السريع.
المصدر: الغارديان
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
