الأمم المتحدة تحذر من خروج الحرب في السودان عن السيطرة
تتصاعد المخاوف الدولية من انزلاق السودان نحو فوضى أعمق، مع اتساع رقعة القتال في دارفور وازدياد التقارير عن مجازر وانتهاكات بحق المدنيين.
وفي وقتٍ تحاول فيه القوى الإقليمية احتواء الصراع دون نجاح يُذكر، خرج الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتحذيرٍ غير مسبوق، واصفًا الحرب بأنها “تخرج عن السيطرة بسرعة”، وداعيًا إلى وقفٍ فوري للقتال وإنهاء دوامة العنف التي تمزّق البلاد منذ عامين.
وأعلن غوتيريش من الدوحة، على هامش القمة العالمية للتنمية الاجتماعية، أن مدينة الفاشر ومناطق شمال دارفور “تحوّلت إلى بؤرة للمعاناة والجوع والعنف والنزوح”، مضيفًا أن الأوضاع “تزداد سوءًا يومًا بعد يوم منذ دخول قوات الدعم السريع المدينة في نهاية الأسبوع الماضي، حيث يُحاصر مئات الآلاف من المدنيين، ويُقتلون بسبب الجوع والمرض والعنف”.
انهيار إنساني في دارفور

سيطرت قوات الدعم السريع، المدعومة وفق تقارير من دولة الإمارات العربية المتحدة، على مدينة الفاشر في إقليم دارفور الأسبوع الماضي بعد حصار دام نحو 18 شهرًا.
وانتشرت مقاطع مصوّرة تُظهر إطلاق النار على مدنيين، بينهم مرضى في مستشفى الولادة بالمدينة.
وقال غوتيريش في تصريحاته: “على الأطراف المتحاربة أن تجلس إلى طاولة المفاوضات، وتضع حدًّا لهذا الكابوس الدموي فورًا”.
ويأتي ذلك في وقت وصف فيه مسؤولو الأمم المتحدة الحرب الأهلية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بأنها “إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في القرن الحادي والعشرين”، إذ قُتل أكثر من 150 ألف شخص، ونزح أكثر من 14 مليونًا من منازلهم.
وفي لاهاي، أعلن الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية أنه يجمع أدلة على ارتكاب عمليات قتل جماعي واغتصاب وجرائم أخرى في الفاشر.
خلاف بشأن الهدنة المقترحة

تزامنت تصريحات غوتيريش مع مناقشات داخل القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية في بورتسودان بشأن ما إذا كانت ستدعم الهدنة المقترحة من الولايات المتحدة، أو ستصرّ على أن أي وقف لإطلاق النار يجب أن يُربط بانسحاب قوات الدعم السريع من المدن السودانية، ويشمل ذلك الفاشر.
وتشير صور الأقمار الصناعية إلى تصاعد الدخان في محيط مطار الفاشر، في وقت أكدت فيه تقارير ميدانية أن المدينة أصبحت شبه مدمّرة.
وأدى سقوط الفاشر إلى منح قوات الدعم السريع السيطرة على جميع عواصم ولايات دارفور الخمس، ما أثار مخاوف من تقسيم فعلي للسودان على محور شرقي غربي.
لكن السفير السوداني في لندن، بابكر الأمين، نفى وجود تأييد واسع في دارفور لفكرة التقسيم، مؤكدًا أن “الأولوية ليست الهدنة، بل وقف المجازر الجارية في الفاشر”.
واشنطن تحاول إنقاذ المفاوضات

تحاول الولايات المتحدة منذ أيلول/سبتمبر الماضي إقناع الطرفين بخطة سلام صاغتها بالتنسيق مع مصر والإمارات والسعودية، تبدأ بوقف إنساني مؤقت لثلاثة أشهر، يعقبه وقف دائم لإطلاق النار وانتقال سياسي يقود إلى حكومة مدنية خلال تسعة أشهر.
ويأمل المسؤولون الأمريكيون أن تسهم زيادة الاهتمام الدولي بالحرب في الضغط على الأطراف المتحاربة وداعميها الإقليميين للتراجع عن مواقفهم المتشددة.
لكن مصادر في المجلس الأعلى للأمن والدفاع السوداني أكدت وجود “معارضة قوية” للخطة التي أعدّها مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إفريقيا، مسعد بولوس.
وقالت بعض المصادر: إن الجيش يواجه “ضغوطًا جديدة من القاهرة لقبول وقف إطلاق النار”، لكنه يطالب في المقابل “بحصر قوات الدعم السريع داخل معسكرات خارج المدن”، دون توضيح كيف يمكن تنفيذ هذا الشرط فعليًّا.
الخرطوم تتهم أبو ظبي وتطالب بتحقيق دولي

وفي تصريحات من لندن، دعا السفير بابكر الأمين واشنطن إلى تصنيف قوات الدعم السريع “منظمة إرهابية”، وفرض حظر شامل على مبيعات السلاح إلى الإمارات.
ونفى أن تكون بلاده تسعى لهدنة فقط، قائلًا: “الأولوية هي وقف المذابح الجارية الآن في الفاشر… لا معنى لأي محادثات سلام بينما تُرتكب هذه الفظائع”.
وأضاف: “قوات الدعم السريع تعلن الآن نيتها ارتكاب مزيد من الجرائم، وتُسمّي المدن والمجتمعات والقبائل التي تستهدفها. بعض المناطق التي لم تعرف العنف من قبل باتت مهددة اليوم، وهم يصوّرون أنفسهم وهم يقتلون المدنيين الأبرياء، حتى إن بعضهم يقول إنه لم يَعُد يستطيع العدّ من كثرة من قتلهم”.
وأوضح الأمين أن قيادات الجيش كانت تناقش الخطة الأمريكية في الوقت نفسه الذي كانت فيه قوات الدعم السريع تهاجم الفاشر، متسائلًا: “ما الجدوى من التفاوض بينما تُرتكب هذه الجرائم؟ يجب على المجتمع الدولي أن يُظهر قدرًا من الجدية في التعامل مع هذه الإبادة التي ما زالت جارية”.
ونفت دولة الإمارات مرارًا تزويد قوات الدعم السريع بالسلاح، مؤكدة التزامها “الحياد الكامل” في النزاع السوداني.
جذور محلية وتأثير دولي
ترى منصة العرب في بريطانيا (AUK) أن احتدام القتال في دارفور يجسّد إخفاق النظامين الإقليمي والدولي في ضبط مسار الحرب السودانية، ويفضح اتساع نفوذ القوى الخارجية داخلها.
ومع أن جذور الصراع محلية في طبيعتها ونشأتها وأطرافها، فإن استمرار الحرب قد حولت النزاع من مواجهة محلية إلى حرب بالوكالة تتقاطع فيها مصالح دولية متعارضة، ما يجعل إنهاءها مستحيلًا من دون تفاهمات إقليمية شاملة تعيد تعريف توازنات القوة في السودان.
المصدر: The Guardian
اقرأ أيضا
الرابط المختصر هنا ⬇
