العرب في بريطانيا | تجريم هتاف «الانتفاضة» في لندن: خطوة قمعية لإسك...

1447 رجب 4 | 24 ديسمبر 2025

تجريم هتاف «الانتفاضة» في لندن: خطوة قمعية لإسكات الأصوات المناهضة للإبادة الجماعية

تجريم هتاف «الانتفاضة» في لندن: خطوة قمعية لإسكات الأصوات المناهضة للإبادة الجماعية
إسماعيل باتيل December 24, 2025

عندما أعلنت شرطة العاصمة البريطانية (ميتروبوليتان) أنها ستعتقل أي شخص يهتف بشعار «عولمة الانتفاضة» عقب هجوم بوندي بيتش في أستراليا، لم تكن قد أعادت فقط رسم حدود ضبط النظام العام، بل تجاوزت ذلك إلى طمس خط فاصل بالغ الأهمية بين التحريض على العنف والتعبير السياسي، كاشفة في الوقت نفسه عن انحيازها الصريح.

وخلال أيام قليلة، جرى توقيف شخصين في لندن لمجرد هتافهما بكلمة «انتفاضة» خلال احتجاج. هذه الخطوة لا تتعلق بإدارة المخاطر، بل تمثل محاولة فجّة لإسكات النشاط المناهض للإبادة الجماعية.

حقيقتان تكشفان غياب النزاهة

تجريم هتاف «الانتفاضة» في لندن: خطوة قمعية لإسكات الأصوات المناهضة للإبادة الجماعية
تستخدم الشرطة تعريفات فضفاضة لمنع النشاط الاحتجاجي الداعم لفلسطين

تكشف حقيقتان أساسيتان حجم عدم النزاهة لدى الوزراء وكبار ضباط الشرطة.

أولًا، حدّد المحققون الأستراليون هجوم بوندي باعتباره مستلهمًا من تنظيم «الدولة الإسلامية»، وليس فعلًا منظمًا فلسطينيًا. ومع ذلك، سارع سياسيون بريطانيون، ومسؤولون في السفارة الإسرائيلية، وأصوات إعلامية، إلى ربط الهجوم بهتاف فلسطيني، من دون أي دليل، لكن مع كثير من الضجيج.

ثانيًا، يتضمن القانون الجنائي البريطاني بالفعل معايير واضحة تحدد متى يصبح الخطاب جريمة. فـ«تشجيع الإرهاب» يتطلب تصريحًا يُفهم على الأرجح بوصفه دعوة مباشرة أو غير مباشرة لارتكاب جرائم إرهابية، وفق قانون الإرهاب. كما أن الملاحقات المتعلقة بالنظام العام أو الجرائم ذات الطابع العنصري المشدد تستند إلى الضرر والنية والسياق، وفق قانون الجريمة والاضطراب لعام 1998.

الغموض كسلاح

تضع هيئة الادعاء العام وقانون الإرهاب هذه المعايير، وهي ليست اقتراحات يمكن تجاهلها لمجرد أن بعض النخب وجماعات الضغط في البلاد تدعم أفعالًا إسرائيلية غير قانونية.

إن حظر أو ضبط شعار بقرار إداري يحوّل الغموض إلى سلاح.

معنى «الانتفاضة»

قرار شرطة لندن تجريم هتاف «الانتفاضة» يكشف انحيازًا سياسيًا خطيرًا، ويخلط بين التعبير السياسي والتحريض، في سياق قمع التضامن مع الفلسطينيين.
شرطة لندن تمنع استخدام تعبيرات عربية كتنميط ثقافي وعرقي قد يحمل ضمناً إشارات أن الكلمات العربية خطر أمني

«انتفاضة» كلمة عربية، لا دينية، وتعني «النهوض» أو «التحرّر». وفي فلسطين، برزت عام 1987 بوصفها هتافًا جماعيًا يدعو إلى التخلص من الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي أو النهوض ضده.

الشعارات هي لغة الإحباط، لا تعريفات قانونية دقيقة يمكن للخصوم ليّها. وعندما تعتمد السلطات أكثر التفسيرات عدائية، فإنها تمهد الطريق لشرطة عنصرية ولانزلاق نحو السلطوية.

في هونغ كونغ عام 2019، جرى اعتقال متظاهرين بسبب هتاف «حرروا هونغ كونغ، ثورة عصرنا»، بعدما صنفت الحكومة الصينية كلمة «ثورة» بوصفها تحريضًا انفصاليًا. واليوم، تتعامل الشرطة البريطانية والحكومة مع «الانتفاضة» بالطريقة نفسها.

إسقاط العنف على اللغة

إن تجريم كلمة «انتفاضة» لا يصبح ممكنًا إلا لأن الفلسطينيين جرى تصويرهم عرقيًا داخل الإطار الصهيوني الإسرائيلي، الذي يمرر لغتهم وتعبيرهم السياسي عبر عدسات عنصرية واستعمارية.

وهكذا، يُعاد تصوير شعار يطالب بإنهاء الإبادة والاحتلال — وهما فعلان غير قانونيين بموجب القانون الدولي — بوصفه «عنيفًا». ولا يمكن فهم شعار «الانتفاضة» على أنه عنيف إلا من قِبل من يصرّون على إبقاء العنف قائمًا.

أثر التخويف

كما أن حظر الشعارات يخلّف أثرًا مخيفًا، إذ يجعل من الصعب على الحملات السلمية أن تحشد الدعم.

وفي الواقع، فإن قمع الحق في استخدام الشعارات يضعف المنظمات التي تعتمد على المشاركة العلنية المفتوحة، بينما لا يفعل الكثير لردع أفراد منعزلين يعملون في الخفاء.

والنتيجة المتوقعة لهذا الحظر هي القضاء على التعبئة السلمية، إلى جانب زيادة احتمالات التطرف لدى أفراد معزولين. وكلا النتيجتين ينبغي أن يثير قلق أي سياسي ديمقراطي.

ازدواجية فاضحة

تجريم هتاف «الانتفاضة» في لندن: خطوة قمعية لإسكات الأصوات المناهضة للإبادة الجماعية
ازدواجية الشرطة في التعامل بين المظاهرات المؤيدة لفلسطين والفاعليات والأنشطة الداعمة للاحتلال

هناك معيار مزدوج فاضح قيد التطبيق. فالمقاربة الشرطية الجديدة تعكس مطالب جماعات ضغط مؤيدة لإسرائيل ومصالح صهيونية تسعى إلى مساواة شعار فضفاض بالعنف.

في المقابل، غالبًا ما يُعفى مواطنون بريطانيون يساهمون في الإبادة عبر السلاح أو المال أو الخطاب، ويُنظر إلى أفعالهم باعتبارها مجرد «آراء سياسية» أو «تعبيرًا عن الحزن».

إن إجراءات الشرطة كارثية ومتحيزة بعمق. فالحكومة تقمع تضامنًا حقيقيًا مع شعب واقع تحت الاحتلال، بينما تتسامح مع خطاب وأفعال تغذي الكراهية العرقية والإبادة والعنف اليومي ضد الفلسطينيين.

فقدان الادعاء بالحياد

هذا الحماس الانتقائي في قمع كل ما يسلط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية ينسف أي ادعاء بالحياد، ويعزز الاتهام بالعنصرية المؤسسية.

وضبط الشعارات يمنح نصرًا استراتيجيًا لأولئك الساعين إلى نزع الشرعية عن أصوات المهمشين والمقموعين.

لعبة أمنية

أظهرت هونغ كونغ كيف استغلت السلطات الصينية شعارًا، ضخّمت أكثر معانيه إثارة للقلق، واستخدمته لتبرير ملاحقات خنقت المعارضة. ولندن تسير الآن وفق النص نفسه: إثارة الخوف، طمس الخط الفاصل بين الاحتجاج والإرهاب، وجعل الاعتقالات أمرًا اعتياديًا.

النتيجة النهائية هي ديمقراطية تعاقب الكلمات، بينما تدعم بهدوء العنف في الخارج.

القانون ليس مسرحًا سياسيًا

لو كانت الحكومات وأجهزة الشرطة تخشى العنف حقًا في شوارعنا، لاتبعت الأدلة.
لحققت مع المواطنين البريطانيين الذين يسافرون للقتال، وأوقفت إرسال السلاح إلى أطراف متهمة بجرائم دولية، ولاحقت من يدعمون الاحتلال والتجويع والإبادة، بدلًا من تجريم خطاب سياسي فضفاض يدعو إلى العدالة والسلام.

الحل بسيط وملحّ. على قادة الشرطة أن يوضحوا كيف تتوافق مقاربتهم الجديدة مع المعايير القانونية التي أقرها البرلمان وهيئة الادعاء العام. وعلى الوزراء أن يقاوموا تحويل السياسة إلى لعبة أمنية لإرضاء جماعات ضغط نافذة. وعلى المحاكم أن تتذكر أن القانون الجنائي ليس منصة للدراما السياسية.

الديمقراطية تصمد لأنها تتحمل خطابًا مزعجًا، بل قبيحًا أحيانًا. لكنها تذبل عندما تقرر الدولة أي الكلمات العربية خطيرة، وأي الأصوات يجب إسكاتها.

نحن جميعًا متفقون على ضرورة القضاء على الإرهاب العنيف وخطاب الكراهية. ولهذا السبب بالذات، يجب تطبيق القانون بعدالة.

إن اعتقال أشخاص بسبب هتافهم شعارًا فضفاضًا مثل «عولمة الانتفاضة»، من دون أي خطة أو نية للعنف، ليس حماية للأمن العام، بل قمعٌ متنكر في هيئة سلامة عامة، وعنصرية معادية للفلسطينيين.

المصدر: ميدل إيست آي


اقرأ أيضاً

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة