العرب في بريطانيا | انتقادات واسعة لمحاولات تقويض قوانين حقوق الإنس...

1447 جمادى الثانية 22 | 13 ديسمبر 2025

انتقادات واسعة لمحاولات تقويض قوانين حقوق الإنسان في أوروبا

انتقادات واسعة لمحاولات تقويض قوانين حقوق الإنسان في أوروبا
عبلة قوفي December 13, 2025

في تصعيد سياسي لافت، دعت 27 دولة أوروبية إلى إعادة النظر في قوانين حقوق الإنسان التي وُضعت عقب الحرب العالمية الثانية، معتبرةً أنها باتت تُشكّل عائقًا أمام التعامل مع ملف الهجرة. غير أن هذه الدعوات قوبلت بتحذيرات شديدة من مسؤولين وخبراء في حقوق الإنسان، رأوا فيها خطرًا حقيقيًّا على أسس النظام الحقوقي الأوروبي، وخدمة مباشرة لأجندات اليمين المتطرف.

وجاء هذا التحرك بعد أشهر من الجدل، الذي بلغ ذروته هذا الأسبوع عبر سلسلة اجتماعات واتصالات وبيان مشترك، رأت فيه منظمة العفو الدولية «تراجعًا أخلاقيًّا»، محذّرة من تداعياته على مبدأ المساواة الإنسانية. وقال مفوض مجلس أوروبا لحقوق الإنسان، مايكل أوفلاهيرتي: إن هذا النهج قد يؤدي إلى إيجاد «تراتبية بين البشر»، يُنظر فيها إلى بعض الفئات على أنها أكثر استحقاقًا للحماية من غيرها.

جذور الخلاف: الهجرة والسيادة

ترحيل مهاجر إيراني من بريطانيا للمرة الثانية بعد عودته بقارب صغير

تعود جذور هذا الخلاف إلى مايو/أيار الماضي، حين نشرت تسع دول في الاتحاد الأوروبي، من بينها الدنمارك وإيطاليا وبولندا، رسالةً مشتركة اعتبرت فيها أن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تُقيّد قدرتها على ممارسة سيادتها، خصوصًا ما يتعلق بترحيل مرتكبي الجرائم. وجاء في الرسالة: «علينا استعادة التوازن الصحيح، فما كان مناسبًا في الماضي قد لا يكون الحل غدًا».

ومع أن 27 دولة أعربت هذا الأسبوع عن مظالم مشابهة، فإن دولًا كبرى مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا امتنعت عن التوقيع، في مؤشر واضح على الانقسام الأوروبي حيال مستقبل الاتفاقية.

انتقادات للخطاب السياسي

وفي حديث لصحيفة الغارديان، وجّه مفوض مجلس أوروبا لحقوق الإنسان، مايكل أوفلاهيرتي، انتقادات حادة لما وصفه بـ«اللغة السطحية» التي يستخدمها بعض السياسيين، معتبرًا أنها حافلة بالافتراضات والمغالطات، وتستهدف تشريعات حقوق الإنسان بطريقة مضللة. وضرب مثالًا بما سماه «الربط السطحي» بين الهجرة والجريمة، مؤكدًا أن هذا الربط «لا يتوافق مع الواقع».

وأضاف أن ترويج هذا التصور المشوّه يُغذّي مخاوف مجتمعية واسعة، تقوم على الاعتقاد بأن القوانين الحالية «تفتح الباب أمام المجرمين لإثارة الفوضى»، وهو ما يدفع قطاعات من الرأي العام للمطالبة بتشديد القيود على الهجرة.

المملكة المتحدة نموذجًا

سجن مهاجر سوري 16 أسبوعًا بعد اعتداء داخل فندق لجوء

وأشار أوفلاهيرتي إلى المملكة المتحدة، حيث حظيت قضايا محدودة منعت فيها المحاكم ترحيل مجرمين استنادًا إلى الاتفاقية الأوروبية بتغطية إعلامية مكثفة. وقال: «الأرقام في الواقع ضئيلة للغاية، ويمكن لأي دولة حديثة تحكمها سيادة القانون التعامل معها بسهولة». وأضاف أنه يَندُر أن تصل هذه القضايا إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان؛ نظرًا لوجود منظومات قضائية وطنية فاعلة تُستنفد أولًا.

ودعم هذا الطرحَ تقريرٌ حديث لجامعة أكسفورد، خلص إلى أن التغطية الإعلامية البريطانية لتأثير الاتفاقية على سياسات الهجرة «تهيمن عليها تقارير غير دقيقة أو مضللة في كثير من الأحيان». كما أبرز التقرير الدور الواسع للاتفاقية في حماية حقوق الأفراد في أماكن العمل والمستشفيات ودور الرعاية، إضافة إلى حماية ضحايا العنف المنزلي والعبودية الحديثة.

اتفاقية ما بعد الحرب… وسؤال المستقبل

أُسِّست الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان عقب الحرب العالمية الثانية، في إطار إنشاء مجلس أوروبا، بوصفها استجابة مباشرة لأهوال تلك الحقبة، ووقّعت عليها منذ ذلك الحين 46 دولة. ورغم الدعوات السياسية لتحديثها، أكد أوفلاهيرتي أنه لا يرى حاجة ملحّة لذلك في الوقت الراهن، محذرًا من نشر «توقعات خاطئة» لدى الناخبين.

وتساءل: «هل سيؤدي تعديل الاتفاقية فعلًا إلى وقف تدفقات الهجرة؟ هل سيمنع عبور القنال الإنجليزي؟ هل سيقضي على شبكات تهريب البشر؟ لا أظن ذلك».

كما رفض الادعاء بأن الاتفاقية تُقوّض سيادة الدول، موضحًا أن اللجوء إلى المحكمة الأوروبية لا يتم إلا بعد استنفاد جميع السبل القضائية الوطنية، وأن المحكمة نفسها تضم قضاة من جميع الدول الأعضاء، قائلًا: «هذه ليست مجموعة من القضاة الأجانب يفرضون إرادتهم».

الشعبوية وحدود التنازل

وفي مقابل مقال مشترك نشره رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ونظيرته الدنماركية ميتي فريدريكسن، دعوا فيه إلى تحديث الاتفاقية لمواجهة صعود اليمين الشعبوي، حذّر أوفلاهيرتي من منطق «التنازل التدريجي».

وقال: «مقابل كل شبر يُتنازل عنه، سيُطالب بشبر آخر. اليوم التركيز على المهاجرين، فمن سيكون الهدف التالي؟». واعتبر أن تقويض حقوق الإنسان سيصب في مصلحة الشعبويين في نهاية المطاف، عبر إضعاف سيادة القانون، وفرض «تسلسل هرمي للبشر» وصفه بأنه «مقلق للغاية» في ضوء الجذور التاريخية للاتفاقية.

وأضاف: «لقد نشأ نظام حقوق الإنسان العالمي لمنع تكرار أسوأ أشكال التمييز التي عرفها التاريخ، حين كان يُنظر إلى بعض البشر على أنهم بلا قيمة. لسنا هناك اليوم، لكن علينا أن نكون شديدي الحذر من المسارات التي قد تقودنا، ولو دون قصد، إلى عواقب خطيرة».

ترى منصة العرب في بريطانيا أن الجدل الدائر حول الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان يعكس توترًا أعمق بين ضرورات إدارة ملف الهجرة وتصاعد الخطاب الشعبوي من جهة، والحفاظ على القيم الحقوقية التي أُسِّست عليها أوروبا الحديثة من جهة أخرى. وتؤكد المنصة أن أي محاولة لإضعاف منظومة حقوق الإنسان، تحت ضغط سياسي أو انتخابي، تُخاطر بتقويض مبادئ العدالة والمساواة، وتفتح الباب أمام استهداف فئات أضعف داخل المجتمع. ومن منظور المنصة، فإن النظر في قضايا الهجرة يتطلب حلولًا شاملة وعادلة، لا تحميل تشريعات حقوق الإنسان مسؤولية أزمات سياسية واجتماعية أوسع.

المصدر: الغارديان


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة