هل يستفيد المدنيون السودانيون من الاهتمام الدولي المتجدد ببلادهم؟
يحظى السودان مرة أخرى باهتمام واسع، تغذّيه تقارير عن فظائع خطيرة ورغبة إدارة ترامب في المساهمة في استقرار هذا البلد الممزّق بالحرب، بناءً على إلحاح سعودي. ورغم أن أي جهود لوقف الاقتتال ستلقى ترحيبًا من السودانيين، فإن هذا الاهتمام الجديد ينبغي ألا يقتصر على فرض وقفٍ لإطلاق النار بلا أفق سياسي. المطلوب هو إطلاق عملية جادة تتمحور حول رؤية المدنيين للسلام والإصلاح البنيوي. والسؤال الحقيقي اليوم: هل هناك فاعل دولي مستعد للدفاع عن هذا الصوت المدني؟
جذور الأزمة: عقدان من الفرص الضائعة

عدم استقرار السودان لم يظهر عام 2023؛ فهو حصيلة عقدين من الفرص المهدرة والتردد الدولي والتناقض في السياسات. ويمكن تلخيص ذلك في ثلاث محطات أساسية تكشف إخفاق الفاعلين الدوليين مرارًا في دعم تطلعات السودانيين للتغيير.
بدأت الحرب في دارفور عام 2003، ورغم المحاولات المتكررة لوقف الفظائع، ظلّ العنف مستمرًا. وفي عام 2005، شكّل قرار مجلس الأمن 1593 سابقة عبر إحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية مع تصاعد تقارير الإبادة الجماعية. ورغم إصدار سبع مذكرات توقيف، لم يُسلَّم للمحكمة سوى مشتبه واحد — سلّم نفسه طوعًا عام 2020 — ما يعكس محدودية التعاون الدولي الضروري لإظهار التزام حقيقي بالعدالة.
في تلك الفترة، حضر مبدأ «مسؤولية الحماية» بقوة بعد إقراره في قمة 2005. هدف المبدأ إلى منع الجرائم الجسيمة، لكنه ظل غير ملزم سياسيًا. وكانت دارفور أول صراع يُربط به عمليًا عبر القرار 1706 الذي سعى لتوسيع بعثة الأمم المتحدة في السودان (UNMIS) لتشمل الإقليم. غير أن الضغط الدولي لم يكن كافيًا، فاستطاعت الحكومة السودانية عرقلة نشر القوات وإفراغ القرار من مضمونه.
لم توافق الخرطوم على نشر بعثة «يوناميد» — بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي المشتركة — إلا عام 2007 بموجب القرار 1769 الأقل تقييدًا. ورغم الآمال بأن تحدّ البعثة من مستوى العنف، واجه النموذج المختلط مشكلات كبيرة: نقص الخبرة، غموض التفويض، وغياب توافق بين أعضاء مجلس الأمن حول كيفية التعامل مع الصراع. وبدل قيادة العملية السياسية، اكتفت اليوناميد بتقديم حضور ميداني محدود، حسّن الوصول الإنساني لكنه لم يوفر حماية كافية للمدنيين. ومع بقاء الرؤية السياسية الدولية غائبة، استمر العنف وصولًا إلى حلّ البعثة عام 2020 خلال مرحلة انتقالية هشة.
فرصة ضائعة بعد سقوط البشير

وفي نيسان/أبريل 2019، سقط نظام عمر البشير بعد احتجاجات مدنية واسعة. لكن المجتمع الدولي ضيّع مجددًا فرصة الالتفاف حول رؤية مدنية لمستقبل السودان. أما مجلس السيادة الانتقالي — الذي كان يفترض أن يفتح الطريق أمام عملية سياسية متوازنة — فقد تبيّن لاحقًا أنه بنية هشة لا تقوى على مواجهة عقود من سيطرة المؤسسة العسكرية.
انقلاب 2021: نهاية الشراكة الهشة وصعود الحرب
أطاح الانقلاب العسكري في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 بأي أمل في مشاركة مدنية. ومع ضعف الدعم الدولي وتراجع دور الاتحاد الإفريقي، أصبحت المرحلة الانتقالية عاجزة عن الصمود. كما أن القوى الخليجية، المتوجسة من قيام سودان ديمقراطي، قدّمت دعمًا محدودًا للتطلعات المدنية. وفي النهاية، أدى الانقسام داخل المؤسسة العسكرية إلى اندلاع حرب شاملة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وهي الحرب التي دمّرت البلاد منذ نيسان/ أبريل 2023.
نفوذ إماراتي–سعودي وتهميش المدنيين
رسّخ تداخل الأدوار الخارجية الانطباع بأن السودان غير قادر على إيجاد مسار ذاتي للاستقرار. واليوم تمارس قوى إقليمية — خصوصًا الإمارات والسعودية — نفوذًا كبيرًا على أطراف الصراع، غالبًا على حساب تطلعات المدنيين. ورغم ذلك، قد يتيح اهتمام إدارة ترامب فرصة جديدة، بالنظر إلى قدرة الولايات المتحدة على التأثير في مواقف الحلفاء الخليجيين، بشرط ألا يؤدي الضغط الدولي إلى فرض وقف لإطلاق النار يتجاوز المدنيين ويهمّش رؤيتهم السياسية.
دور إفريقي غائب يجب أن يعود

ولتحقيق تقدّم مستدام، ينبغي أن يستعيد الدور الإفريقي مكانته. فكتلة «الإيغاد»، بالتنسيق مع الاتحاد الإفريقي، أكثر قابلية من غيرها للوقوف إلى جانب المدنيين. فدولها الأعضاء لديها ما تكسبه من سودان مستقر أكثر من أي فاعل خارجي. ويمكن لجبهة موحدة بين الإيغاد والاتحاد الإفريقي أن تطرح أولويات تركز على المجتمعات المحلية في أي مفاوضات مع الولايات المتحدة والسعودية والإمارات، في وقت تسعى فيه الدول الثلاث إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي في القارة. كما أن الغضب المتزايد في إفريقيا تجاه الدور الإماراتي في السودان قد يخلق هامشًا يمنح القادة الأفارقة قدرة أكبر على الدفع نحو مسار يحد من الإجراءات الثنائية التي تضر بالمدنيين.
فشل دولي متكرر ومسار جديد مطلوب
تكشف النتائج المتواضعة للتدخلات السابقة عن مجتمع دولي عاجز — أو غير راغب — في بناء إطار موثوق لحل النزاعات يعالج جذور مأساة السودان. وأي انخراط أمريكي متزايد يجب أن يضع مسارًا جديدًا لعمل دولي منسق، مسارًا يبقي صوت المدنيين في صدارة الأولويات خلال أي مرحلة انتقالية مقبلة. وعندها فقط يمكن للسودانيين أن يكونوا المستفيد الحقيقي من هذا الاهتمام العالمي المتجدد ببلادهم.
المصدر: ميدل إيست مونيتور
اقرأ أيضا
- لماذا يتزايد اهتمام الإعلام الدولي بالأزمة في السودان؟
- الأمم المتحدة تحذر من خروج الحرب في السودان عن السيطرة
- الجارديان: الأمم المتحدة تحذر من مجاعة كبيرة في السودان
الرابط المختصر هنا ⬇
