انتقادات لبي بي سي بعد حذف تقرير عن معاناة أطفال غزة
في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الموجهة لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بشأن تغطيتها لحرب غزة، تعرّضت الهيئة لموجة جديدة من الغضب بعد التخلي عن تقرير كان يُفترض أن يوثّق مبادرة تربط بين أطفال فلسطينيين وبريطانيين عبر الشِّعر. القرار أثار تساؤلات عن سبب التردد في إفساح المجال للروايات الإنسانية القادمة من غزة، ولا سيما تلك التي تُظهر الأطفال خارج سياق السياسة والصراع العسكري.
القرار… وذريعة “الحياد”

كشف نِك بيلبرو، منسّق مشروع هاندز أب (Hands Up Project)، لصحيفة ذا كاناري أن مراسل بي بي سي أبلغه بأن بثّ التقرير سيكون “تحديًا”؛ لأن المنتجين رأوا أن الأمر “يتطلب سياقًا إضافيًّا لضمان الحياد”.
لكن المفارقة -بحسَب بيلبرو- أن جميع المقابلات كانت تدور حول الشِّعر، والإبداع، وتجارب الأطفال في التعبير عن أنفسهم خلال أوقات صعبة، دون أي حديث سياسي على الإطلاق.
وأضاف: “لم يتحدث أحد في السياسة. كنّا نتحدث فقط عن قيمة كتابة الشِّعر عندما تكون الحياة صعبة، وعن مدى إلهام تلك القصائد”.
رغم وعود أولية بإدراج القصة ضمن برنامج (Spotlight)، مضت أسابيع دون تحديث، قبل أن يقرّر المحررون إسقاط التقرير بالكامل.
تزايد الضغوط على التغطية المتعلقة بغزة
ومع أن منظمات مختصة في رصد الإعلام توصلت إلى أن تغطية الـبي بي سي تميل بوضوح نحو الرواية الإسرائيلية، فإن المؤسسة تتعرض في المقابل لضغوط مكثفة من جماعات مؤيدة لإسرائيل كلما ظهر محتوى يُظهر الفلسطينيين بصورة إنسانية أو يتضمّن نقدًا للاحتلال ولو كان محدودًا.
عن المبادرة الشعرية… وما أزعج بعض الناس

يسعى مشروع هاندز أب إلى ربط الأطفال الفلسطينيين بأقرانهم حول العالم. وفي فعالية الشِّعر لعام 2025، اجتمع طلاب بريطانيون وفلسطينيون عبر عرض مشترك استضافته مدرسة دارتنغتون.
يقول بيلبرو إن الطريق لم يكن سهلًا:
- أُزيلت قصيدتان لفتاتَين فلسطينيتين لأنهما ذكرتا “فلسطين” بالاسم؛ تفاديًا لاعتراضات متوقعة من جماعات ضغط مؤيدة لإسرائيل.
- شارك الطلاب أيضًا في وصلة مباشرة مع شاعرة فلسطينية من غزة تحدّثت عن الكتابة تحت الحصار، وهو ما وصفه بيلبرو بأنه كان “شديد الإلهام” للأطفال.
ويضيف بنبرة حاسمة: “لا يريدون إظهار الجانب الإنساني لأطفال غزة”.
انتقادات أوسع لسلوك بي بي سي خلال حرب غزة

منذ بداية الإبادة في غزة، تتعرض الـبي بي سي لهجوم واسع النطاق من صحفيين ومحللين وجمهور يشيرون إلى انحياز واضح.
أحد التقارير كشف أن الشبكة خصصت تغطية للضحايا الإسرائيليين بمقدار يفوق التغطية لضحايا غزة بـ33 مرة.
وفي تموز/يوليو الماضي، أثار قرار الهيئة بإلغاء بثّ فيلم وثائقي عن غزة -بذريعة أن الراوي هو نجل مسؤول في حكومة غزة- غضبًا واسع النطاق، تبعه توقيع أكثر من 400 شخصية إعلامية على عريضة تطالب بإقالة عضو في مجلس إدارة الهيئة بسبب “صلاته بإسرائيل”.
بيئة إعلامية غير محايدة
ترى منصة العرب في بريطانيا (AUK) أن ما حدث يتجاوز فكرة “الحياد الإعلامي” إلى مشهد أوسع تتداخل فيه السياسة مع الحقيقة الإنسانية داخل بيئة إعلامية مزدحمة بجماعات ضغط متنافسة. وفي هذا السياق، يصبح تغييب القصص الفلسطينية -خصوصًا صوت الأطفال- جزءًا من نمط يحدّد مسبقًا أي رواية يُسمح لها بالظهور وأيّها يُسحب من التداول.
في بيئة إعلامية غير محايدة، لم يعد المشهد الإعلامي موجهًا لجمهور واحد، بل جماهير متعددة تتشكّل داخل فضاء مشبع بالتأطير أو التضليل أو محاولة توجيه الرواية الإعلامية لخدمة أجندة سياسية محددة سلفاً. ومع ذلك، يبقى الحد الأدنى لأي إصلاح هو وضع معايير شفافة للحياد، وتوسيع مساحة الأصوات الإنسانية، ومراجعة تأثير شبكات النفوذ التي تشارك اليوم في رسم حدود الرواية الإعلامية المسموحة ورسم حدود الحقيقة المتاحة للجمهور.
المصدر: New Arab
اقرأ أيضا
الرابط المختصر هنا ⬇
