لماذا تريد بريطانيا تقليد نظام الهجرة الدنماركي؟ وهل يقترب من فكر اليمين المتطرف؟
تتجه الحكومة البريطانية نحو تبني سياسة هجرة أكثر تشددًا تستلهم ملامحها من النموذج الدنماركي، الذي يصفه مراقبون بأنه من أشد النظم صرامة في أوروبا وأكثرها إثارة للجدل. وتأتي هذه الخطوة في وقت تتصاعد فيه الضغوط الشعبية والسياسية لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية والحد من أعداد الوافدين عبر القنال الإنجليزي.
مخاوف شعبية وضغط سياسي متنامٍ

خلال السنوات الخمس الماضية، أصبحت الهجرة محور اهتمام متزايد لدى الرأي العام البريطاني، مع ارتفاع أعداد المهاجرين الواصلين عبر القوارب الصغيرة. وأظهر استطلاع حديث لـYouGov أن هذا الملف بات يتقدم على الاقتصاد في قائمة أولويات الناخبين.
كما تواجه حكومة حزب العمال منافسة قوية من حزب الإصلاح بقيادة نايجل فاراج، الذي يتصدر استطلاعات الرأي في عدد من المناطق، ويعد بسياسات أكثر تشددًا تشمل إلغاء حق الحصول على الإقامة الدائمة بعد خمس سنوات.
ما الذي يميز النظام الدنماركي؟
يُعرف النموذج الدنماركي بصرامته، إذ خفّض بشكل كبير عدد الحاصلين على اللجوء ليصل إلى أدنى مستوياته منذ 40 عامًا. ويعتمد على منح الحماية بشكل مؤقت للأشخاص الذين يواجهون تهديدًا مباشرًا في بلدانهم، مع احتفاظ الحكومة بحق إعادتهم في حال اعتُبرت الظروف آمنة.
وفي عام 2022، أصدرت الحكومة الدنماركية قرارًا بإعادة نحو 1200 لاجئ سوري من دمشق، في خطوة أثارت اعتراضات دولية وتعارضت مع مواقف الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
شروط معقدة للمّ الشمل الأسري
تسمح الدنمارك بلمّ الشمل في حالات محدودة للغاية، ويتعين على اللاجئين إثبات عدم قدرتهم على العيش بأمان في دولة أخرى. كما تفرض قائمة شروط مشددة، من بينها:
• بلوغ الزوجين 24 عامًا على الأقل.
• اجتياز اختبار اللغة الدنماركية.
• عدم تلقي أي إعانة خلال السنوات الثلاث السابقة.
• تقديم ضمان مالي.
هذه الشروط تجعل إجراءات لمّ الشمل طويلة وشاقة على معظم اللاجئين.
جدل حول “المجتمعات الموازية”

يتعرض النظام الدنماركي لانتقادات واسعة بسبب سياسة “المجتمعات الموازية”، التي تُستبعد فيها مناطق سكنية تضم غالبية من أصول غير غربية من حقّ لمّ الشمل.
كما يتيح القانون هدم المباني السكنية في تلك المناطق بدعوى تعزيز الاندماج، وهي سياسة أثارت تحفّظات أوروبية بسبب مخاوف من التمييز.
هل يقترب هذا النهج من خطاب اليمين المتطرف؟
ينظر بعض نواب حزب العمال إلى النموذج الدنماركي بوصفه انزلاقًا نحو خطاب يميني متشدد، رغم أنه صادر عن حكومة يسار وسط في الدنمارك.
وقال النائب كليف لويس إن الحزب الحاكم هناك “تبنّى سرديات قريبة من اليمين المتطرف”، بينما اعتبرت النائبة ناديا ويتوم أن تطبيق النموذج الدنماركي في بريطانيا سيكون “مسارًا مسدودًا على المستويات الأخلاقية والسياسية والانتخابية”.
دعم من نواب الجدار الأحمر
في المقابل، يلقى التوجّه الجديد دعمًا من بعض نواب “الجدار الأحمر”، حيث يحظى حزب الإصلاح بشعبية.
وحذرت النائبة جو وايت من أن حزب العمال قد يواجه خسائر انتخابية كبيرة إذا لم يشدد سياسات الهجرة، بينما رأى غاريث سنيل أن الاقتراب من النموذج الدنماركي “خيار قابل للنقاش”، نظرًا لشعور الناخبين بأن النظام الحالي “غير عادل”.
ومحاولة تقليد النموذج الدنماركي تكشف غياب رؤية متماسكة لمعالجة ملف الهجرة في بريطانيا، خاصة إذا اعتمدت الحكومة على تدابير متشددة قد تُتهم بالتمييز أو تقويض حقوق الإنسان.
ونجاح سياسات الهجرة يتطلب حلولًا عملية ومستدامة تشمل تحسين مسارات اللجوء القانونية وتسريع المعالجة وتعزيز الشراكات الدولية، بدل الارتهان لنماذج قد تنجرّ نحو خطاب اليمين المتطرف.
تحقيق التوازن بين أمن الحدود واحترام كرامة الإنسان يبقى الأساس لأي إصلاح فعّال في ملف الهجرة البريطاني.
المصدر: الغارديان
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
