تصاعد الغضب في بريطانيا قبيل مباراة أستون فيلا ومكابي تل أبيب
فيما تستعد مدينة برمنغهام مساء الخميس لمباراة أستون فيلا الإنجليزي ضد مكابي تل أبيب الإسرائيلي ضمن دوري المؤتمرات الأوروبي (UEFA Conference League)، يخيّم على اللقاء غضب شعبي متصاعد ومطالبات واسعة بإلغائه، وسط وصف الناشطين له بأنه “استفزازٌ للضمير الإنساني في وقتٍ تمطر فيه غزة بالنار”.
فمنذ الإعلان عن المباراة، شهدت الساحة البريطانية موجة انتقادات حادّة، رأت في إقامة المباراة على أرضٍ بريطانية تواطؤًا مع العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، ومحاولة لتطبيع صورة الاحتلال عبر الرياضة.
“منع الجماهير لا يكفي”
السلطات البريطانية قررت منع جماهير نادي مكابي تل أبيب من حضور المباراة، في خطوة قالت الشرطة إنها تهدف إلى “ضمان الأمن العام” بعد تصاعد الدعوات للتظاهر في محيط ملعب فيلا بارك.
لكن هذه الخطوة لم تُرضِ المحتجين، الذين اعتبروا أن منع الجمهور لا يعالج جوهر القضية، فالمشكلة ليست في من يجلس على المدرجات، بل في “من يُسمح له باللعب”.
وقالت حملة التضامن مع فلسطين في بريطانيا (PSC) في بيانٍ لها إن إقامة المباراة “مهزلة أخلاقية” لا يمكن تبريرها، مؤكدة أن “الرياضة لا يمكن أن تكون غطاءً للتبييض السياسي، ولا ملعبًا يُنسى فيه الدم الفلسطيني”.
عريضة وغضب شعبي متصاعد

أطلقت منظمات مؤيدة لفلسطين عريضة إلكترونية جمعت آلاف التوقيعات خلال أيام، دعت فيها إلى إلغاء المباراة بالكامل، معتبرة أن أي لقاء مع فريقٍ يمثل إسرائيل “تطبيعٌ مرفوض بينما العالم يشاهد مجازر غزة”.
وفي برمنغهام نفسها، دعا ناشطون محليون إلى وقفة احتجاجية أمام ملعب فيلا بارك الساعة الـ6 مساء الخميس تحت شعار: “الكرت الأحمر للعنصرية والإبادة”.
وقالت الحملة في بيانها:
“كيف يُسمح لنادٍ إسرائيلي باللعب على أرضٍ بريطانية، بينما تُمنع فرق فلسطينية من السفر حتى داخل وطنها؟ إن العدالة لا تتجزأ، ولا يمكن للفيفا والاتحاد الأوروبي أن يغمضا أعينهما عن انتهاكاتٍ موثقة ضد الرياضيين الفلسطينيين.”
“ازدواجية المعايير” بين الرياضة والسياسة
يرى مراقبون أن تعامل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA) مع القضية يكشف ازدواجيةً صارخة في المعايير؛ فبينما سارع الاتحاد إلى استبعاد الأندية الروسية بعد غزو أوكرانيا، فإنه غضّ الطرف عن العدوان الإسرائيلي على غزة، وسمح لأنديته بالمشاركة في المسابقات الدولية كأن شيئًا لم يكن.
وتقول الناشطة البريطانية ليلى جونز إن “الحديث عن حياد الرياضة يصبح عبثيًا حين تتحول الملاعب إلى منصات سياسية متى شاء الغرب، وتصمت حين تكون الضحية فلسطينية.”
تضامن محلي واسع في برمنغهام
لم تقتصر الدعوات على النشطاء؛ فقد أبدى عدد من سكان حي أستون القريب من الملعب رفضهم للحدث، معبّرين عن خشيتهم من التوتر الأمني الذي قد يصاحب المباراة.
كما أشار آخرون إلى أن إقامة المباراة في قلب مدينةٍ تضم جالية عربية ومسلمة كبيرة هو تجاهلٌ لمشاعر آلاف العائلات التي تتابع أخبار غزة يوميًا بقلقٍ وألم.
“الملعب ليس محايدًا”

بالنسبة للمتضامنين مع فلسطين، لا يمكن فصل هذه المباراة عن سياق الحرب. فحين تُمنح الفرق الإسرائيلية فرصة اللعب على الملاعب الأوروبية، فإنها – بحسب تعبيرهم – “تسجّل هدفًا في وجه الحقيقة”.
وقال أحد المتظاهرين أمام فيلا بارك:
“لسنا ضد كرة القدم، نحن ضد تحويل الرياضة إلى مسرحٍ لتلميع دولةٍ تمارس القتل والتجويع والحصار. إذا كانت أوروبا تدّعي الدفاع عن القيم، فهذه فرصتها لتثبت ذلك.”
هذا وتؤكد منظمات بريطانية داعمة لفلسطين أن القضية ليست مباراة واحدة، بل بنيةٌ كاملة توظّف الرياضة لخدمة الاحتلال الإسرائيلي.
فالاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم (IFA)، الذي ينتمي إليه نادي مكابي تل أبيب، يضم في عضويته ما لا يقل عن ستة أندية مقرّها في مستوطناتٍ إسرائيلية مقامة على أراضٍ فلسطينية محتلة بصورة غير قانونية — ما يُعدّ انتهاكًا مباشرًا للقانون الدولي ولوائح الفيفا التي تحظر إقامة الأنشطة الرياضية على أراضٍ محتلة.
أما نادي مكابي تل أبيب نفسه، فقد نشر صورًا لشحنات “رزم دعم” أرسلها إلى جنودٍ إسرائيليين يشاركون في العدوان على غزة، في تواطؤ علني مع آلة الحرب لا يمكن فصله عن ممارساته الرياضية.
ويرى المنتقدون أن هذه الوقائع تُسقط عن النادي والاتحاد الإسرائيلي أي ادعاء بالحياد، وتجعل من مشاركتهما في البطولات الأوروبية شكلًا من أشكال “التبييض الرياضي” لجرائم الاحتلال.
ما وراء الحدث: اختبار أخلاقي
لم تعد مباراة أستون فيلا ومكابي تل أبيب مجرّد مواجهة رياضية، بل اختبارًا أخلاقيًا لبريطانيا وأوروبا:
هل يمكن أن تستمر الرياضة بمعزل عن المأساة؟
هل يجوز أن يُصفّق الجمهور بينما تُدفن العائلات تحت الركام؟
لقد حاولت السلطات احتواء الغضب بقراراتٍ شكلية، لكن الرسالة التي يرددها المحتجون واضحة:
“ما دام القصف مستمرًا في غزة، فإن أي مباراة مع فريقٍ إسرائيلي هي مشاركة في الصمت، والصمت في زمن المجازر تواطؤ.”
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
