هل تتراجع راشيل ريفز عن ضريبة المزارعين؟ تعديلات مرتقبة قبل إعلان الميزانية

تشهد الأوساط السياسية والاقتصادية في بريطانيا جدلًا متصاعدًا بشأن ما يُعرف بـ”ضريبة المزارع العائلية”، في ظل أنباء عن نية وزيرة الخزانة البريطانية راشيل ريفز مراجعة أو تعديل السياسة التي أثارت غضب المزارعين وأحزاب المعارضة على حدٍّ سواء، قبل إعلان الميزانية المرتقب في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
بداية الأزمة: ضريبة جديدة تهدد المزارع الصغيرة
ووفقًا لتقارير إعلامية بريطانية، من بينها صحيفة صنداي تايمز، فإن الحكومة تدرس حاليًّا تخفيف التغييرات المقترحة على ضريبة الميراث المفروضة على المزارعين، بعد موجة انتقادات حادة واحتجاجات واسعة النطاق من داخل القطاع الزراعي وخارجه.
وتشير المصادر إلى أن وزارة البيئة والغذاء والشؤون الريفية (Defra) تُجري مشاورات لرفع الحد الأدنى المعفى من الضريبة من مليون باوند إلى خمسة ملايين باوند، قبل تطبيق معدل ضريبة الميراث القياسي البالغ 40 في المئة على المبالغ التي تتجاوز هذا السقف.
بدأت الأزمة عندما أعلنت وزيرة الخزانة في ميزانية تشرين الأول/أكتوبر الماضي عن خطط لتقييد الإعفاء الكامل من ضريبة الميراث على المزارعين، ما يعني أن أصحاب المزارع الذين كانوا مُعفَين سابقًا سيخضعون لضريبة بنسبة 20 في المئة على الممتلكات الزراعية والتجارية المجمعة التي تتجاوز قيمتها مليون باوند للفرد أو ثلاثة ملايين باوند للأزواج.
القرار أثار موجة غضب في الأوساط الزراعية، إذ اعتُبر تهديدًا مباشرًا لاستمرار المزارع العائلية التي تُعَد العمود الفقري للإنتاج الغذائي المحلي في بريطانيا.
المحافظون والمعارضة في مواجهة مع الحكومة
حزب المحافظين تعهد بإلغاء الضريبة الجديدة بالكامل في حال فوزه بالانتخابات المقبلة، معتبرًا أنها “غير عادلة وتضر بأمن الغذاء الوطني”.
وقالت فيكتوريا أتكينز، وزيرة البيئة في حكومة الظل: “ضريبة المزارع العائلية التي فرضها حزب العمال كارثة للأشخاص الذين يضعون الطعام على موائدنا. بريطانيا تعيش بالفعل أزمة غذاء وزراعة غير مسبوقة، ولا يكفي أن تُجري راشيل ريفز تعديلات يسيرة على هذه السياسة المدمّرة، بل يجب إلغاؤها بالكامل”.
وأكدت أن المحافظين “سيقفون دائمًا إلى جانب المزارعين والعائلات التي تدير أعمالًا صغيرة”.
أما حزب “الإصلاح البريطاني” بقيادة نايجل فاراج وحزب الديمقراطيين الأحرار فقد أعلنا رفضهما القاطع للمقترحات، داعيَين إلى سياسات أكثر إنصافًا تراعي ظروف المزارعين.
كما دعا نواب من مختلف الأحزاب إلى تأجيل تطبيق الإصلاحات إلى حين إجراء مشاورات وتقييمات كافية لتأثيرها الاقتصادي والاجتماعي.
مخاوف من تأثيرات مدمرة على الأمن الغذائي
صدرت تحذيرات متتالية عن المنظمات الزراعية والجمعيات الريفية من أن الضريبة الجديدة تهدد مئات المزارع الصغيرة بالإغلاق، وتعرّض الأمن الغذائي البريطاني للخطر، ولا سيما في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج وتراجع الدعم الحكومي.
وقال مو ميتكالف-فيشر، مدير الشؤون الخارجية في حملة “تحالف الريف”: إن “المعارضة لضريبة المزارع العائلية تتجاوز حدود الريف، وتمتد إلى المدن؛ لأن الجميع يدرك أن استمرار الزراعة المحلية مسألة أمن وطني”.
وأضاف أن “السياسة الحالية تسببت بقلق مدمر بين المزارعين، ومن الواضح أن الحكومة بحاجة إلى إعادة النظر فيها بسرعة والعمل مع الخبراء لإيجاد حل عملي قبل فوات الأوان”.
ومن بين المقترحات التي نالت دعمًا كبيرًا، تلك التي قدمها مركز تحليل الضرائب، والتي تقضي بمنح إعفاء كامل من ضريبة الميراث للمزارع التي تصل قيمتها إلى 5 ملايين باوند، أو 10 ملايين باوند للأزواج.
من جانبه رحّب المزارع والمؤثر الزراعي أولي هاريسون بهذا الطرح، قائلًا إنه “ليس مثاليًّا، لكنه سينقذ حياة المزارعين ويمنع انهيار العديد من المزارع فورًا”.
أزمة إنسانية صامتة
خلف الأرقام والسياسات، ظهرت قصص مأساوية لمزارعين يعانون من ضغوط مالية ونفسية هائلة، وصلت ببعضهم إلى حافة الانتحار نتيجة المخاوف من فقدان أراضيهم الموروثة على مر الأجيال.
فالضريبة الجديدة، بحسَب المنتقدين، تستهدف مزارع تكون في الغالب غنية بالأصول لكنها فقيرة بالسيولة النقدية، ما يجعل أصحابها عاجزين عن سداد الفواتير الضريبية دون اللجوء إلى بيع الأراضي أو تفكيك ممتلكاتهم.
من جهته دافع اللورد ليفرمور، وزير المالية في الخزانة، عن السياسة قائلًا: إن “الإصلاحات تحقق التوازن الصحيح بين دعم المزارع والأعمال، وإصلاح المالية العامة، وتمويل الخدمات العامة”.
وأضاف أن الحكومة ستحافظ على مستويات مرتفعة من الإعفاء من ضريبة الميراث، مقارنة بما هو متاح للقطاعات الأخرى، مشيرًا إلى أن من يجب عليهم السداد يمكنهم دفع المبالغ المستحقة على مدى عشر سنوات دون فوائد.
نحو مراجعة محتملة قبل ميزانية نوفمبر
ورغم تمسك الحكومة بموقفها الرسمي، فإن المؤشرات المتزايدة من داخل وزارة البيئة والغذاء والشؤون الريفية توحي بأن تعديلات محتملة قد تُطرح قبل إعلان الميزانية في الـ26 من تشرين الثاني/نوفمبر؛ لتخفيف الضغط السياسي والاجتماعي المتصاعد.
وتتواصل الضغوط من المعارضة والمنظمات الزراعية ووسائل الإعلام -وعلى رأسها صحيفة ديلي إكسبريس التي تقود حملة “أنقذوا المزارع العائلية البريطانية”- لدفع الحكومة إلى التراجع الكامل عن الضريبة المثيرة للجدل.
ومع اقتراب موعد الميزانية، يترقب المزارعون في أنحاء البلاد ما إذا كانت راشيل ريفز ستتراجع بالفعل عن “الهجوم الضريبي” الذي أثار عاصفة من الغضب، أم ستتمسك بإصلاحاتها بذريعة حماية المالية العامة.
المصدر: إكسبرس
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇