دراسة جديدة: العقل البشري يبلغ ذروة تألقه في سن الستين
بين صرير الركب وازدياد محيط الخصر وتضارب المطالب الأسرية، يُنظر إلى منتصف العمر غالبًا كمرحلة كئيبة من حياة الإنسان. ومع ذلك، توفر دراسة جديدة سببًا للاطمئنان: رغم الإرهاق وآلام المفاصل، يبدو أن قدرات العقل والشخصية تلتقي عند أفضل مستوى لها في أواخر الخمسينيات وحتى نحو الستين. منصة «العرب في بريطانيا» تعرض نتائج البحث بأسلوب يراعي الدقة العلمية والحساسية المجتمعية.
مؤشرات الذروة المعرفية والشخصية
الدراسة المنشورة في دورية Intelligence جمعت عقودًا من بحوث علم النفس لتقدّم مؤشرًا موحّدًا أطلق الباحثون عليه اسم «مؤشر الأداء المعرفي-الشخصي» (CPFI)، يقيس كيف تتطوّر الذكاء والحكم والصفات الشخصية الأساسية على مدى الحياة. أظهرت النتائج نمطًا واضحًا: الأداء الكلّي للدماغ يبلغ أوجه بين 55 و60 عامًا. تباين المسارات يفسّر ذلك؛ فالذكاء السائل (القدرة على الاستدلال، وسعة الذاكرة، وسرعة المعالجة) يصل ذروته في أوائل العشرينيات ثم يتراجع تدريجيًا، بينما يستمرّ «الذكاء المتبلور» – أي تراكم المعرفة والخبرة – في التراكم لسنوات طويلة، كما تنضج سمات شخصية مثل الضميرية والثبات العاطفي عبر مراحل البلوغ.
مكاسب النضج والمهارات المتأخرة
مهارات أخرى تنضج متأخرة: التفكير الأخلاقي العميق يتحسّن مع التجربة، مما يؤدي إلى أحكام أكثر توازناً بشأن العدل والواجب. مهارات فهم الأمور المالية تبلغ ذروتها أحيانًا في أواخر الستينيات، ربما نتيجة تراكم التعاملات الاقتصادية عبر العمر. كما يصبح الأفراد أفضل في تجنّب مغالطة «التكلفة الغارقة»، فيميلون إلى أن يكونوا أقل عاطفية إزاء مشاريع فشلت بالفعل. بالمقابل، يتراجع بعض الجوانب مثل المرونة المعرفية – القدرة على التحول السريع بين استراتيجيات أو مهام – والتعاطف المعرفي، إضافةً إلى تراجع الدافع لحلّ الألغاز المجردة لدى البعض. مع ذلك، تختصر الدراسة أن مكاسب النضج تعوّض في المتوسط الخسائر الناتجة عن تباطؤ السرعة الإدراكية، فتنقشع الصورة لصالح أواخر الخمسينات كفترة ذهنية متميزة.
تبعات على السياسة والاقتصاد
لا يخلو الاستنتاج من تداعيات عملية: قد يؤثر مزيج الخبرة والحزم والاتزان العاطفي في أداء القيادات في السياسة والأعمال. بالطبع، لا تنطبق المتوسطات على كل فرد؛ لكن ملاحظة أن بعض الوجوه السياسية الأكثر بروزًا تجاوزت نطاق الذروة يُعيد النقاش حول توازن العمر والخبرة في مراكز صنع القرار. الباحث الرئيسي، د. جيل غينياك من جامعة ويسترن أستراليا، قال إن تراكم المعرفة والحكم والخبرة الحياتية هو الذي يحرك ذروة الأداء الكلّي نحو أواخر الخمسينات، مؤكّدًا أن النضج يوفر أدوات أقوى للتعامل مع المشكلات المعقّدة والمسؤوليات.
منصة «العرب في بريطانيا» ترى في هذه الدراسة تذكيرًا هامًا بأن قيمة الخبرة لا تقلّ عن سرعة المعالجة الشبابية، وأن المجتمع يخسر إن قلّلت الصورة النمطية من دور ناضجي الوسط في العمل العام والقطاع الخاص. نؤكد أهمية سياسات عمل وممارسة عامة تُقدّر التنوع العمري وتستفيد من مزيج الخبرة والحيوية: فرص تدريب مستمرة، آليات انتقال معرفي داخل المؤسسات، واعتماد فرق عمل متعددة الأجيال. وفي الوقت نفسه، ندعو إلى احترام الفروقات الفردية وعدم تعميم نتائج متوسّطة على قدرة أشخاص بعينهم؛ فكل عقل يشيخ بطريقته، وبعض العقول تزهر متأخرة وتقدّم إسهامات فريدة لا تُقدّر بثمن.
المصدر: تايمز
إقرأ أيضا
الرابط المختصر هنا ⬇
18°C
