كيف غطى الإعلام البريطاني الهجوم الإسرائيلي على الأسطول البحري لكسر حصار غزة؟

سلّطت وسائل الإعلام البريطانية بمختلف توجهاتها الضوء على اعتراض البحرية الإسرائيلية لأسطول “الصمود العالمي” في المياه الدولية مساء الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2025، بينما كان في طريقه نحو غزة بهدف كسر الحصار المفروض على القطاع.
العملية التي شاركت فيها قوات كوماندوز إسرائيلية، وصعدت خلالها إلى عدة قوارب تقل أكثر من 500 ناشط من بينهم الناشطة السويدية غريتا تونبرغ، سرعان ما أصبحت محورًا للتغطية الإعلامية العاجلة في بريطانيا. غير أن الساعات الأولى من المتابعة كشفت عن اختلافات لافتة بين المؤسسات الإعلامية في طريقة صياغة الخبر، وانتقاء المصادر، واللغة المستخدمة.
العناوين الأولى: بين الجغرافيا والشخصيات
• الغارديان ركزت في تغطيتها المباشرة على الموقع الجغرافي، مشيرة إلى أن العملية وقعت على بعد 75 ميلًا من غزة، مع ذكر أعداد القوارب والناشطين دون توصيف قانوني مباشر.
• سكاي نيوز جعلت محور الخبر الناشطة السويدية، إذ جاء عنوانها: “غريتا تونبرغ آمنة وبصحة جيدة بعد اعتراض الأسطول، تقول إسرائيل “مع إبراز الرواية الإسرائيلية بأن الحصار “مشروع”.
• الإندبندنت منحت مساحة أكبر لرواية المنظمين، الذين وصفوا ما جرى بأنه “هجوم غير قانوني على إنسانيين عُزّل”، وأكدت أن الاعتراض وقع في المياه الدولية عند الساعة 8:30 مساء بتوقيت غزة.
• أما الصحف الشعبية فذهبت إلى العناوين المثيرة: الصن تحدثت عن “اعتراض تونبرغ من قِبل قوات الكوماندوز الإسرائيلية”، في حين كانت التلغراف قد سبقت الحدث بتوصيف الأسطول في مقالات الرأي بأنه “سفينة الحمقى”! في إشارة إلى التشكيك في نيات الناشطين.
السرديات المتقابلة: قانونية الحصار أم اعتداء غير مشروع؟
وتجلّت في التغطية المبكرة ازدواجية بارزة:
• الناشطون أكدوا أن ما جرى “اعتداء غير قانوني في المياه الدولية”.
• المسؤولون الإسرائيليون نبّهوا إلى أن الحصار “قانوني” وأن الأسطول “مجرد حملة دعائية” ستنتهي بترحيل المشاركين.
لكن الصحافة البريطانية التزمت الحياد الشكلي، إذ اكتفت بعرض الموقفين عبر علامات الاقتباس دون تبنٍّ لأي رواية، في محاولة لترك الحكم للقارئ.
هيمنة العامل “النجومي” بدت واضحة؛ فاسم غريتا تونبرغ ظهر في معظم العناوين والفقرات الافتتاحية. كما نقلت الوسائل تصريحات الناشطين الجماعية التي أُرسلت عبر قنوات تلغرام والبث المباشر قبل توقفها.
لكن غابت الأصوات البريطانية العربية والإسلامية رغم ورود تقارير عن وجود متطوعين بريطانيين وأطباء متضامنين على متن بعض القوارب. وقد حاولت منظمات المجتمع المدني سد هذا الفراغ، إذ أصدرت منظمة العفو الدولية في بريطانيا بيانًا وصفت فيه الاعتراض بأنه “انتهاك للقانون الدولي والقيم الإنسانية الأساسية”، مطالبة رئيس الوزراء كير ستارمر بإدانة العملية والمطالبة بالإفراج عن الناشطين.
أنماط مميزة في تغطية الإعلام البريطاني
• الصحف الكبرى (الغارديان، والإندبندنت): ركزت على الموقع والتوقيت وشرعية المياه الدولية.
• القنوات التلفزيونية (سكاي نيوز، بي بي سي): أعطت الأولوية لطمأنة إسرائيل بشأن سلامة الناشطين وأطّرت الحصار في إطار قانوني.
• الصحف الشعبية واليمينية: أبرزت الإثارة والشخصيات البارزة، مع تكرار نبرة الشكوك تجاه نيات الأسطول.
واعتمدت معظم الوسائل على وكالات الأنباء مثل رويترز وفرانس برس للحصول على تفاصيل إضافية، ويشمل ذلك مرافقة سفن من إيطاليا واليونان وإسبانيا للأسطول، إلى جانب توقع ردود فعل دولية لاحقة.
ما المتوقع في الساعات المقبلة؟
حتى فجر الثاني من أكتوبر، لم تكن الحكومة البريطانية قد أصدرت موقفًا واضحًا بشأن الحدث، رغم أن تقارير سابقة أشارت إلى أن لندن قد لا تتمكن من توفير حماية دبلوماسية لمواطنيها على متن الأسطول. ومن المرجح أن تثار القضية في البرلمان وتتصدر برامج النقاش السياسي خلال اليوم نفسه.
كما يُتوقع أن تركز التغطية اللاحقة على القصص الإنسانية للمشاركين البريطانيين، إلى جانب تحليلات قانونية معمقة بشأن الحصار البحري، ومواقف الأحزاب السياسية من سياسة ستارمر تجاه غزة.
ترى منصة العرب في بريطانيا أن التغطية الإعلامية البريطانية لهذا الحدث تعكس الانقسام المعتاد في تناول القضايا الفلسطينية: فمن جهة هناك اعتماد مفرط على الرواية الإسرائيلية الرسمية، ومن جهة أخرى يُسلّط الضوء على شخصيات مشهورة لضمان جذب المتابعين، في حين تُهمَّش أصوات العرب والمسلمين في بريطانيا رغم وجودهم الفعلي في قلب الحدث.
وتؤكد المنصة أن هذا النمط من التغطية يساهم في إضعاف السردية الفلسطينية داخل الإعلام البريطاني، وهو ما يستدعي دورًا أكبر من المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية لتقديم رواية متوازنة تسلط الضوء على جوهر القضية الإنسانية والسياسية في غزة.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇