العرب في بريطانيا | رجال لا يعرفهم عمر.. مؤمنو جيش الأسد

1447 ربيع الثاني 9 | 02 أكتوبر 2025

رجال لا يعرفهم عمر.. مؤمنو جيش الأسد

مقالArtboard-2-copy-4_2 (14)
عادل يوسف October 2, 2025

إلى الذين كان يمكن أن أحبهم لو عرفتهم.
– إهداء غادة السمّان في كتاب “الحب”

جاء السائب بن الأقرع إلى عمر بن الخطاب يُبشّره بالنصر في معركة نهاوند، فسأله عمر: النعمان أرسلك؟ – وكان النعمان بن مقرن قائد جيش المسلمين في المعركة – فرد السائب: احتسب النعمان عند الله يا أمير المؤمنين، فقد استُشهد.

قال عمر: ويلك، ومن أيضًا؟

فعَدّ السائب جملةً من أعيان الناس وأشرافهم، ثم أردف: وآخرون من أفناء الناس لا يعرفهم أمير المؤمنين. فبكى عمر وقال: ما ضرّهم ألا يعرفهم عمر إن الله يعرفهم.

بعد أفول شمس النظام البائد، وبعدما تنفّس الإنسان السوري – والعالم من خلفه – الصعداء، سَرَت في الأنحاء بهجة عظيمة وهي تُعاين أسراب المظلومين تقفز فرحًا من أقبية شبيحة الأسد، لتضرب موعدًا مع حرية سطّرها أبناؤها بعد سنوات عجاف من الصبر والتضحية.

كنت حينها أنقر في صفحات التواصل الاجتماعي ببسمة حانية تعلو مُحيّاي، ودمعةٍ لا تُخطئ طريقها، أبحث بين ثنايا التطبيقات عن الزوايا المهملة التي لا تتسابق إليها عدسات الإعلاميين.

وبينما أنا في الفضاء الأزرق (فيسبوك) إذ طلع عليّ خبر ليس ككل الأخبار؛ ففي خضم الفرحة العارمة أخذت قلوب الكرام تتذكّر وتَسرد خبر اليد العطوفة التي كانت سببًا في نجاتهم بعد الله، من باب: “والله لا أنساها لطلحة”، ويشكرونهم على صنيعهم.

ننسى جمايلنا الجميله مع الناس
ونموت ماننسى الجمايل علينا


“العبد تُقيّده السلاسل، والحر يُقيّده المعروف.”

عن أحفاد مؤمن آل فرعون أتحدث، أو بقايا الرجال الطيبين الذين ضحّوا بأرواحهم حتى لا يُقال جاعت الكرامة والشهامة في بلاد الأمويين، رافعين شعار: (أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله)، فمنهم من قضى نحبه بعدما كُشف أمره، ومنهم من ينتظر.

أُناس أبت ضمائرهم النقية إلا أن تقف في وجه التيار الهادر، لفتات بسيطة كانت كفيلة بتخليد مواقفهم في سجلات النبلاء.

مواقف ذكية شريفة شبّهتها بنظرية تأثير الفراشة، وهي فكرة مفادها أن بعض الأعمال الصغيرة تكون ذات أثر عميق في نظام معقّد. يتصوّر المفهوم أنه يمكن لفراشة عبر رفرفة جناحيها في الشرق أن تُحدث إعصارًا في غرب الكرة الأرضية، أو كما عبّر عنها الكاتب الإنجليزي جون جريبين في عمله الكلاسيكي: البساطة العميقة.

الآن أستطيع أن أتكلم، هكذا سنّ أكاد الجبل – اسمه في صفحته – السُّنة الحسنة، ثم تبعه بعد ذلك الكثير من التعليقات والمواقف التي لا تُرى بالعين المجرّدة.

يكمل: الآن أستطيع أن أتكلم عن إنسان، لا أعرفه ولا أتذكر شكله حتى، لكني مدين له بإنقاذي من براثن المخابرات الجوية.

إنسان أثبت لي بأن هناك الكثير ممن في صفوف الأسد هم مع الثورة، وقدموا لها الكثير من دون ضوضاء.

تحكي أخرى – وقد كانت طالبة طب – أن الأفرع الأمنية استدعتها للتحقيق أيام الثورة. تقول: المحقق كان يصحّح لي العبارات ويوجّهني بشكل غير مباشر إلى الكلمات الأنسب التي عليّ استخدامها، وقد تركني أغادر مباشرة بعد التحقيق.


“تبدأ الحرب عندما تخبرك الحكومة من هو العدو، وتبدأ الثورة عندما تكتشف ذلك بنفسك.”
– فرانكلين.

في المقابل، بتول الشيخ تذكر – بلهجتها الدارجة –: مرة كنت رايحة مع أمي وأخواتي لحلب، ووقفنا على حاجز بحماة. الضابط يلي بالحاجز وقف أمي وكان يحقق معها لأن أبي وأعمامي مطلوبين للنظام.

كنت وقتها صف سادس وما عندي فكرة شو حكت أمي.

لكن فجأة إجو اثنين عساكر للتاكسي يلي كنا فيه، وواحد منهم لقّمني الإجابات تلقيم. ووقت إجا الضابط ليتأكد بنفسه كنت عَرفانة منيح شو لازم أحكي.

ثم تختم مشاركتها: لهداك العسكري على الحاجز بحماة شكرًا.

أما أبو محمد الحلبي فيقول: دخل عناصر لبيتي مدجّجين بالسلاح، طلب النقيب من أحد ضباط الصف أن يفتّش جهاز الحاسوب الخاص بي – وكنت واضعًا فيه علم الثورة –، ولما هممت بفتحه أشار إليّ: “سكر يا عمي، سكر الله يحميكن”، ثم قال للنقيب: “ما في شي هون”.

“بقاء الكثير من السوريين الشرفاء في وظائفهم في مؤسسات النظام، خدم الثورة كثيرًا.”

حسان البصري يتذكر وهو يتجرّع مرارة الفقد: خالي رياض السالم كان عقيدًا في الجيش، وقد أمّن خروج عائلة الهرموش إلى خارج مناطق سيطرة نظام الأسد، فلما كُشف الأمر تم إعدامه.


تقضي المروءة أن نمد جسومنا
جسرًا، فقل لرفاقنا أن يعبروا
– عمر أبو ريشة

الكثير من الحالات النزيهة لمن يعملون في الخفاء، يذكرنا حالهم بما ذكره الإمام الذهبي في تاريخ الإسلام أنه كان في جيش هارون الرشيد عشرون ألف مجاهد، لا يُكتبون أسماؤهم في ديوان الجند، ولا يأخذون مرتباتهم، كي لا يعلمهم أحد إلا الله.

يقول شهيد الدعوة والفكر سيد قطب: نحن بحاجة إلى زعماء بلا مجد وبلا شهرة وبلا بريق، في حاجة إلى الجنود المجهولين، في حاجة إلى فدائيين حقيقيين لا يعنيهم أن تُصفّق لهم الجماهير، ولا يعنيهم أن تكون أسماؤهم على كل لسان، وصورهم في كل مكان.

إلى الشرفاء في مشارق الأرض ومغاربها، لمن أقسموا على دستور مكارم الأخلاق، الذين لا يُقدّمون على ضمائرهم النقية أحدًا، لمن لا تحفل بهم منصات التتويج ولا يُصفّق لهم الجمهور، والذين لا يعرفهم عمر، رحمة الله وبركاته عليكم أهل النوايا الطيبة، إنه حميد مجيد.

 

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

التعليقات

loader-image
london
London, GB
1:25 pm, Oct 2, 2025
temperature icon 18°C
overcast clouds
71 %
1022 mb
8 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 100%
Visibility 10 km
Sunrise 7:02 am
Sunset 6:36 pm

آخر فيديوهات القناة