العرب في بريطانيا | ما هو الأكثر أهمية من اعتراف بريطانيا بفلسطين؟

1447 ربيع الثاني 9 | 02 أكتوبر 2025

ما هو الأكثر أهمية من اعتراف بريطانيا بفلسطين؟

مقالArtboard-2-copy-4_2
إسماعيل باتيل September 20, 2025

الجدل الدائر حاليًا حول الاعتراف بدولة فلسطينية هو تشتيت خطير. فهو يتيح لكير ستارمر وحكومته أن يبدوا وكأنهم يفعلون شيئًا جريئًا، بينما يتجنبون الأسئلة الجوهرية. هل ستحاسب المملكة المتحدة إسرائيل على ارتكابها جريمة الإبادة في غزة؟ هل ستتوقف عن تزويدها بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية والدعم الدبلوماسي لعملية تقضي على أي أمل في قيام دولة فلسطينية وعلى حياة الفلسطينيين أنفسهم؟

إعلان الاعتراف من دون ربطه بمطالب قابلة للقياس والتنفيذ يحوّل السياسة إلى مسرحية. يصبح الاعتراف بديلاً مثيرًا للعنوان الإعلامي عن تحقيق تقرير المصير الفعلي.

وما هو أسوأ، أن ملامح هذه “الدولة” لا يرسمها الفلسطينيون، بل العواصم الغربية وإسرائيل. فقد صرّح ديفيد لامي، وزير الخارجية، بشكل صريح أن أي دولة فلسطينية مستقبلية يجب أن تكون منزوعة السلاح. صياغة تبدو معقولة، لكنها عند اختبار تبعاتها تكشف عكس ذلك.

الدولة المنزوعة السلاح، بحكم التعريف، لا تستطيع ضمان أمنها أو سلامة شعبها. وهذا يعني أن الفلسطينيين سيظلون عرضة للخطر بشكل دائم، ومعتمدين على رحمة إسرائيل والقوى الغربية نفسها التي ترفض كبح عنف إسرائيل.

إضافة إلى ذلك، فإن مقترح ستارمر يطالب باستبعاد حماس من غزة ومنعها من أي دور في السياسة الفلسطينية المستقبلية. اشتراط الدولة بتفكيك حركات سياسية شعبية – وإن كانت محل جدل – يجعل السيادة رهينة الخضوع السياسي.

هذا النمط ليس حكرًا على بريطانيا. بل يعكس دبلوماسية غربية أوسع تفضّل الأطر الأمنية الإسرائيلية على حساب بقاء الفلسطينيين وكرامتهم. والنتيجة المتوقعة نظام دولي يكافئ الهيمنة ويعاقب المقاومة، ويمنح المحتَلّين مظهر الدولة دون مضمون السيادة.

إن مقترح ستارمر إذن ليس تحريرًا، بل هو استسلام متخفٍّ في ثوب السخاء. حين يُمنح الاعتراف فقط بعد أن يلبّي الفلسطينيون شروطًا يضعها فاعلون خارجيون ومحتلوهم – نزع السلاح، نزع الشرعية السياسية، القبول بترتيبات أمنية خارجية، وتقديم “أمن” إسرائيل على حقوق الفلسطينيين – يصبح الاعتراف مكافأة على الامتثال، لا استعادة لحق أصيل في تقرير المصير.

كيف تبدو فلسطين “المعترف بها” وفق هذه الشروط؟ دولة بلا حدود متفق عليها؛ بلا سيادة على القدس والمسجد الأقصى؛ بلا سيطرة على قواتها الأمنية؛ بلا إدارة مستقلة لمواردها الطبيعية مثل المياه؛ وبلا حق عودة للاجئين. فلسطين بالاسم فقط، قناع لدولة وهمية.

السلطة السياسية داخل هذه الدولة الوهمية ستكون مقيدة منذ البداية. قادة الدولة سيحتاجون إلى موافقة الحكومات الغربية وإسرائيل. هؤلاء “الوكلاء” الإسرائيليون المتخفون كقيادة فلسطينية سيعملون وسطاء لإسرائيل لا ممثلين للشعب الفلسطيني، ولن يُسمح لهم بالحكم إلا طالما حافظوا على المصالح الاستراتيجية لإسرائيل.

الاعتراف بدولة فلسطينية فارغة بينما تواصل بريطانيا تعاملها المعتاد مع إسرائيل يحافظ على أسس الهيمنة الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية. إنه يرسّخ بنية الفصل العنصري ويحصّن القادة الإسرائيليين من المساءلة على انتهاكات جسيمة للقانون الدولي وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

الاعتراف الرمزي فقط، أو الأسوأ إذا كان مشروطًا بتجريد الفلسطينيين من قوتهم، لن يحررهم.

وعلى ستارمر، أكثر من غيره، أن يدرك أن بريطانيا تتحمل مسؤولية أخلاقية وتاريخية خاصة عن معاناة الفلسطينيين. فإمبراطورية بريطانيا عبر وعد بلفور والسياسات التي تلته كانت محورية في صياغة الكارثة الفلسطينية المستمرة حتى اليوم.

وبعد سبعة وسبعين عامًا، أنتج المشروع الإمبريالي الذي ساهم في إنشاء إسرائيل تهجيرًا جماعيًا، وطردًا قسريًا، وأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، ومجازر، وتطهيرًا عرقيًا، وإبادة جماعية.

إن وعد بلفور الذي تعهّد بوطن قومي لليهود، مع التأكيد على أن “لا يُفعل شيء يمس بالحقوق المدنية والدينية للسكان الفلسطينيين”، قد سقط في غياهب التاريخ. فالواقع اليوم، بعيد كل البعد عن الوفاء بذلك الوعد المزدوج، يتمثل في إسرائيل وهي ترتكب انتهاكات للقانون الدولي، واتفاقيات جنيف، وقرارات الأمم المتحدة، وأبسط المعايير الإنسانية.

لو كان ستارمر صادقًا في اهتمامه بحقوق الفلسطينيين وأخذ المسؤولية التاريخية على محمل الجد، لكان مقترحه مدعومًا بتبعات ملموسة.

فالاعتراف لا يجب أن يُمنح كجائزة تعزية بينما تستمر آليات الاستعمار بلا هوادة. أي شيء أقل من ذلك هو تواطؤ. مجرد إيماءات شكلية تُبقي على الاحتلال والتهجير واللامساواة البنيوية. إنها تطبّع القمع وتخلق وهم التقدم بينما يستمر الوضع الراهن.

في ظل هذه الظروف، فإن السياسة الوحيدة الأخلاقية والعادلة والصادقة من ستارمر والمملكة المتحدة ليست في منح اعتراف رمزي بدولة فلسطينية، بل في مواجهة الأيديولوجيات الاستعمارية الإسرائيلية التي تغذّي هذه الانتهاكات اللاإنسانية. وهذا يعني – على الأقل – فرض عقوبات كاملة ودعم آليات العدالة الدولية بلا مواربة، وفي أحسن الأحوال سحب الاعتراف بإسرائيل لصالح دولة موحدة لجميع الناس، بمختلف أديانهم أو دون دين.

المصدر: newarab


إقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
1:13 pm, Oct 2, 2025
temperature icon 18°C
overcast clouds
73 %
1023 mb
8 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 100%
Visibility 10 km
Sunrise 7:02 am
Sunset 6:36 pm

آخر فيديوهات القناة