بريطانيا على خطى “الأخ الأكبر”: هل تتحول قوانين حرية التعبير والاحتجاج إلى أداة للرقابة القمعية؟

تعيش بريطانيا واحدة من أكثر اللحظات إرباكًا في تاريخها الحديث مع تصاعد الجدل بشأن حدود حرية التعبير، في وقت يثير فيه اعتقال شخصيات عامة وناشطين قلقًا داخليًّا وخارجيًّا. تزامن ذلك مع زيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المملكة المتحدة، وتحذيرات سياسيين بريطانيين وأمريكيين من أن لندن تنزلق إلى ما وُصف بـ”الوضع السلطوي”.
اعتقال غراهام لينهام يشعل أزمة الحريات
اعتُقل الكوميدي الأيرلندي غراهام لينهام -المقيم في أريزونا- في مطار هيثرو بلندن بتهمة “مضايقة ناشطة متحولة جنسيًّا” عبر وسائل التواصل الاجتماعي وإتلاف هاتفها. لينهام، الذي شارك في كتابة مسلسل “Father Ted”، أنكر التهم الموجهة إليه أمام محكمة ويستمنستر في مايو الماضي.
الواقعة أثارت ردود فعل واسعة النطاق، إذ اعتبر زعيم حزب الإصلاح البريطاني نايجل فاراج أن ما حدث “يشبه الحياة في كوريا الشمالية”. وأمام الكونغرس الأمريكي، حذّر فاراج من أن إنجلترا تنزلق نحو “وضع سلطوي رهيب”. الكوميدي جون كليز -وهو أحد أبرز وجوه الكوميديا البريطانية- علّق ساخرًا: “خمسة رجال شرطة لاعتقال كوميدي، في حين توقف سكان تشيلسي عن الإبلاغ عن السرقات… هل هذا استخدام ذكي للموارد؟”.
حتى ترامب نفسه وصف الوضع في بريطانيا بأنه “مفاجئ وصادم”، مشيرًا إلى أنه ناقش القضية مع رئيس الوزراء كير ستارمر. الأخير دافع عن إرث بلاده قائلًا في لقاء سابق بالبيت الأبيض: “حرية التعبير موجودة عندنا منذ زمن طويل جدًّا، وستستمر لزمن طويل جدًّا”.
سوابق مثيرة للجدل: من مجموعات “واتساب” إلى الصحافة
اعتقال لينهام لم يكن حادثًا معزولًا. ففي يناير، اعتُقل والدان في هيرتفوردشاير (Hertfordshire) بسبب نقاش في مجموعة “واتساب” لأولياء الأمور بشأن عملية توظيف في مدرسة محلية، حيث اقتحم ستة ضباط منزلهما واحتُجِزا لثماني ساعات. وفي نوفمبر 2024، فتحت شرطة إسيكس (Essex) تحقيقًا مع الكاتبة أليسون بيرسون (Allison Pearson) من صحيفة ديلي تلغراف (Daily Telegraph) بسبب منشور على منصة “إكس (X)” انتقدت فيه تعامل الشرطة مع مظاهرات مؤيدة لفلسطين، معتبرة أن الشرطة رفضت التصوير مع “أصدقاء إسرائيل (Friends of Israel)” لكنها ظهرت مبتسمة مع “كارهي اليهود (Jew haters)”
كما قضت محكمة بسجن لوسي كونولي، زوجة أحد السياسيين المحافظين، لأكثر من 31 شهرًا بعد منشور عنصري على “إكس” عقب جريمة قتل في ساوثبورت. ورغم حذفها للمنشور بعد أربع ساعات، رأت المحكمة أن رسالتها تضمنت دعوة خطيرة إلى العنف.
الصلاة الصامتة كـ”جريمة فكر”
أثار حظر الاحتجاجات بالقرب من عيادات الإجهاض موجة جديدة من الانتقادات. منظمة “التحالف من أجل الدفاع عن الحرية الدولية” أشارت إلى أن السلطات اعتقلت ناشطين بسبب “صلاة صامتة”. أبرز هذه القضايا ما وُصف بـ”أغلى صلاة في التاريخ”، حين أُجبر الجندي السابق آدم سميث-كونور على دفع أكثر من 11,330 باوند عام 2022 بعد وقوفه ثلاث دقائق للصلاة قرب عيادة إجهاض. كما اعتُقلت الناشطة الكاثوليكية إيزابيل فوغان-سبروس، والعالمة المتقاعدة ليفيا توسيشي-بولت، إضافة إلى جدة في غلاسكو رفعت لافتة تقول: “الإكراه جريمة… هنا لنساعدك إن أردت”. هذه الحالات وُصفت بأنها “جرائم فكر” تعكس تشدد السلطات ضد التيارات المحافظة والدينية.
تتسارع في بريطانيا أحداث تضع حرية التعبير في مواجهة مباشرة مع سياسات رقابية مشددة، بدءًا من قضايا الكوميديا والآراء الساخرة، مرورًا بمجموعات أولياء الأمور والصحافة، وصولًا إلى الصلاة الصامتة. وبصرف النظر عن اختلاف المواقف السياسية أو الأخلاقية تجاه هذه القضايا، يبقى المبدأ الأساس أن حرية التعبير ليست منّة من السلطة بل ركيزة للديمقراطية. إن تحويل القوانين إلى أداة لإسكات الأصوات -سواء كانت ساخرة أو معارضة أو متدينة- يهدد جوهر التقاليد الديمقراطية البريطانية، ويمنح الشعبويين فرصة للادعاء بأن “الأخ الأكبر” قد استيقظ في لندن.
من هنا تؤكد منصتنا أن الدفاع عن حرية التعبير لا ينفصل عن الدفاع عن التعددية الفكرية والسياسية، وأن أي تقييد غير متناسب لهذه الحرية يقود بالضرورة إلى تقويض الثقة بين الدولة ومواطنيها.
المصدر: فوكس نيوز
إقرأ أيّضا
- تصريح صادم.. ضياء يوسف من حزب ريفورم: كوربين أسوأ من تومي روبنسون
- “ظننت أنها نهاية العالم”.. غضب بريطانيين من تنبيه الطوارئ رغم التحذيرات المسبقة
- “لاش” تدعو الشركات لاستخدام قوتها وامتيازها للحديث العلني عن غزة
الرابط المختصر هنا ⬇