الأطفال في الغربة… كيف نصنع جيلاً واثقًا يحافظ على هويته وينفتح على العالم؟

الغربة… امتحان الروح الصعب…
الغربة امتحان عميق للروح والوجدان، فيها يواجه الإنسان ذاته قبل أن يواجه المجتمع الجديد. يجد نفسه أمام عالمٍ مختلف تمامًا عمّا اعتاد عليه: لغة جديدة، ثقافة مغايرة، وجوه وعادات غريبة. وهنا يطل السؤال الكبير:
هل أبقى أسير الحنين، أم أتحوّل إلى إنسان أقوى، قادر على التغيير والنمو؟
هذا السؤال لا يخص الكبار وحدهم، بل يواجهه الأطفال أولًا، إذ تمثل الغربة بالنسبة لهم بداية حياة جديدة مليئة بالتحديات، لكنها أيضًا زاخرة بالفرص.
الأطفال في الغربة
الطفل الذي يجد نفسه في بيئة جديدة قد يشعر بالضياع في البداية. المدرسة قد تبدو قاسية، اللغة غريبة، والأصدقاء مترددون في تقبّله. لكن الأطفال بما يملكونه من قلوب نقية وعقول مرنة، أسرع من غيرهم قدرةً على التكيّف.
وهنا يبرز دور التغيير الإيجابي: أن يدرك الطفل أن ضعفه في البداية هو الخطوة الأولى نحو القوة، وأن الجهد المبذول اليوم سيصنع نجاح الغد، وأن اللغة التي تبدو غريبة الآن ستغدو غدًا جسرًا للتواصل والنجاح.
دروس صغيرة تغيّر الكثير
التغيير نحو الأفضل يبدأ من التفاصيل الصغيرة:
- أن يتعلّم الطفل كلمة جديدة كل يوم بلغة البلد المضيف.
- أن يحافظ على لغته الأم، كتابةً وحديثًا داخل البيت، لتبقى هويته حيّة.
- أن يقدّر تعب والديه في الغربة ويساعدهما بما يستطيع.
- أن يكون قدوة في صدقه وأمانته وأدبه، ليكسب احترام الجميع.
هذه التفاصيل الصغيرة أشبه بقطرات المطر: تبدو متفرقة، لكنها تصنع نهرًا عظيمًا بمرور الزمن.
الأهل… صانعو التوازن
في الغربة، الطفل مرآة لوالديه. إن رآهما منهزمَين تشبّع بالانكسار، وإن رآهما متماسكَين استمد منهما الشجاعة. ومن هنا، فإن على الآباء والأمهات أن يغرسوا في أبنائهم الأمل لا الخوف، وأن يخبروهم أن الغربة ليست نهاية الطريق بل بداية رحلة جديدة.
وعليهم أن يوازنوا بين أمرين أساسيين:
- الحفاظ على الجذور: الاعتزاز بالدين، واللغة، والتاريخ، والهوية.
- الانفتاح على الجديد: اكتساب المهارات، وتعلّم اللغات، وبناء الصداقات.
فالغربة ليست دائمًا عدوًا، بل مدرسة كبرى للحياة.
الغربة مدرسة للحياة
قد تجرح الغربة الروح أحيانًا، لكنها تصقلها أيضًا. قد تُشعر الطفل بالتيه في البدايات، لكنها تعلّمه الصبر وتنمّي فيه روح المسؤولية. فكل تجربة جديدة فيها تحمل درسًا ثمينًا:
- أول يوم في المدرسة درس في الشجاعة.
- أول كلمة بلغة جديدة درس في المثابرة.
- أول صديق من ثقافة مختلفة درس في الانفتاح على العالم.
وهكذا تتحول الغربة إلى كتاب مفتوح، يقرأ منه الطفل كل يوم صفحة جديدة.
نحو مستقبل واعد
التغيير نحو الأفضل مسار حياة متواصل. الأطفال الذين ينجحون في التكيّف مع الغربة سيكبرون أكثر ثقة بأنفسهم وأكثر قدرة على مواجهة التحديات. سيكونون شبابًا يرون في الاختلاف ثروة، وقادة قادرين على مد الجسور بين أوطانهم وأوطان أخرى.
وعندما يُسألون يومًا: ماذا صنعت بسنوات غربتك؟ سيكون الجواب:
“صنعتُ من الغربة سُلّمًا صعدتُ به إلى ذاتي وإلى مستقبلي.”
رسالة إلى الأطفال
أيها الأحبة الصغار…
لا تسمحوا للغربة أن تكسر قلوبكم، ولا تدعوها تعزلكم. كونوا أقوياء، متفائلين، متعلّمين. اجعلوا من كل يوم فرصة، ومن كل تجربة درسًا، ومن كل صعوبة خطوة نحو الأفضل.
تذكّروا دائمًا: أنتم لستم غرباء ما دمتم تحملون الوطن في قلوبكم، وتزرعون الخير حيثما حللتم.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة
الرابط المختصر هنا ⬇