العرب في بريطانيا | نايجل فاراج قد يصبح رئيس وزراء بريطانيا القادم....

1447 صفر 22 | 17 أغسطس 2025

نايجل فاراج قد يصبح رئيس وزراء بريطانيا القادم.. ليس لأن ناخبي حزبه أغبياء

WhatsApp Image 2025-08-06 at 10.11.03 AM
زوي بيتي August 6, 2025

على مدى أكثر من 20 عامًا، شهدت الصحفية زوي بيتي تدهور مسقط رأسها، مدينة بوسطن في مقاطعة لنكولنشاير، وكيف أصبحت هذه المدينة مهملة ومدمَّرة.

ورغم أن التصويت لحزب الإصلاح بقيادة نايجل فاراج قد يكون ردة فعل، أو مبنيًّا على وعود زائفة، فإن الحقيقة غير المريحة هي أن هذا الحزب أصبح كذلك رمزًا للأمل.

وتقول بيتي: هناك الكثير مما تشتهر به مدينتي بوسطن في لنكولنشاير: النقانق، والخضراوات الوفيرة المزروعة في مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة، وحلوى “جيكمانز” لعلاج الحلق المعروضة بجوار صناديق الدفع في صيدليات “بوتس”.

وتشتهر المدينة بمعالمها، مثل كنيسة القديس بوتولف، المعروفة محليًّا باسم “ذا ستامب”، وبجذورها التي تحكي قصة الآباء الحجاج الذين أبحروا على متن “ماي فلاور” إلى المدينة الأمريكية التي سميت باسم بوسطن.

قبل عشرين عامًا، عندما كنتُ في المدرسة، كانت بوسطن تتصدر العناوين الوطنية؛ بسبب ارتفاع معدلات حمل المراهقات، وكونها أعلى المدن من حيث معدل جرائم القتل بالنسبة لعدد السكان، إضافة إلى مشكلات السمنة فيها.

أما اليوم، فقد أصبحت المدينة معروفة بكونها بؤرة للعنصرية والانقسام والإرهاق وخيبة الأمل، كما أصبحت في صلب الثورة السياسية الراديكالية التي تجتاح إنجلترا. وهذا كثير على مدينة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها 45 ألف نسمة.

منذ أن سجلت أعلى نسبة تصويت لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء (75 في المئة)، أصبحت سهول لنكولنشاير مؤشرًا على السخط الوطني.

ما يحدث هناك ليس مجرد تذمر محلي أو تقلب انتخابي، بل هو عرض لشرخ أعمق بكثير: شرخ يعكس فقدان الثقة في الأحزاب التقليدية، وتصاعد الضغوط على الخدمات العامة، ومجتمع ممزق بين انعدام الأمن الاقتصادي والاضطرابات الثقافية.

في هذا الركن العاصف من شرق إنجلترا، هناك قناعة واسعة النطاق بأن نايجل فاراج، زعيم حزب الإصلاح اليميني المتطرف، قد يكون رئيس الوزراء المقبل.

هل هذا مفاجئ؟ بالكاد. ففي حزيران/يونيو الماضي، أظهر استطلاع مطوّل أجرته شركة “إيبسوس” أنه لو أُجريت الانتخابات في الغد، لفاز حزب الإصلاح.

وخلال مؤتمر صحفي عقده فاراج يوم الإثنين، وقف خلف منصة كُتب عليها “بريطانيا بلا قانون”، وفي ظل اتساع رقعة الاحتجاجات خارج الفنادق التي تستضيف طالبي اللجوء مؤخرًا أصبح واضحًا أن جاذبيته لم تخف. بل إن مجرد الشك في ذلك يشير إلى أنك لم تصغِ لسكان مدن مثل بوسطن، وكذلك لم يُصغِ من هم في وستمنستر.

لقد كانت الرسالة واضحة وصريحة منذ أكثر من عام، فبعد الانتخابات العامة، كتبت عن الحضور المقلق لفاراج والتهديد الذي يشكله حزبه الجديد: فبالرغم من فوزه بخمسة مقاعد فقط، حصل حزب الإصلاح على أكثر من أربعة ملايين صوت، أي أكثر من حزب الديمقراطيين الأحرار بـ600 ألف صوت، رغم حصوله على 71 مقعدًا.

ولولا نظام “الأول في الترتيب يفوز”، لكان حزب الإصلاح هو ثالث أكبر حزب في البلاد بعد أن حصل على قرابة 15 في المئة من الأصوات.

وبفوزه في الانتخابات الفرعية بدائرة “كلاكْتُن”، تمكن فاراج أخيرًا من دخول البرلمان بعد حصوله على 46.2 في المئة من الأصوات.

ومنذ ذلك الحين، ازدادت شعبية الحزب في استطلاعات الرأي. ففي آذار/مارس الماضي، أظهر استطلاع شهري أجرته صحيفة (City AM) أن الحزب حصل على 27 في المئة من الأصوات، متفوقًا بذلك على حزب العمال (24 في المئة) والمحافظين (23 في المئة) للمرة الأولى.

وبحلول أيار/مايو، حصل الحزب على 677 مقعدًا في المجالس المحلية، وسيطر بالكامل على مجالس مقاطعات مهمة مثل لانكشير ونوتنغهام وديربيشير، وبالطبع لنكولنشاير. كما نجح في انتزاع مقعد عمالي قديم في انتخابات فرعية بدائرة “رونكورن وهيلسبي”.

وفي هذا السياق يقول الصحفي فريزر نيلسون، الذي جاب أنحاء بريطانيا في تقرير خاص على قناة “تشانل 4” بعنوان “هل سيكون نايجل فاراج رئيس وزرائنا القادم؟”: “إذا نظرت إلى البرلمان ورأيت حزب العمال بأغلبية ضخمة، فستعتقد أن الأمور مستقرة. لكن إذا نظرت إلى البلاد نظرة عامة، فسترى أنها على حافة ثورة سياسية. هذا هو الشعور السائد”.

بدأ اهتمام نيلسون بالموضوع بعد أن قضى أسبوعًا في بلاكبول محاولًا فهم مشكلاتها، ووجد مدينة في قمة الانهيار المجتمعي، حيث معدلات التعليم متدنية بطريقة مرعبة، والفقر مرتفع.

قال: “تلتقي بأطفال غير ناطقين لا يستطيعون التعبير بالكلام، لكنهم يشيرون إلى جهاز آيباد ليعبروا عن رغباتهم. وتكتشف أن ثلث الأطفال يغادرون المدرسة دون الحصول على أي شهادة الثانوية (GCSE). هذه الأمور كانت صادمة. ثم تكتشف أن بلاكبول هي المكان الوحيد في بريطانيا الذي يفتح فيه حانة تحمل اسم حزب الإصلاح، وهذا مثير للاهتمام: فالحزب أصبح يمثل الأمل لهؤلاء الناس”.

ورغم أن فريزر نيلسون، المحرر السابق لمجلة “ذا سبيكتاتور” المعروفة بتوجهاتها اليمينية، تلقى تعليمًا خاصًّا ويبدو بعيدًا عن هموم الفقراء، فإن برنامجه لم يكن عن فاراج بقدر ما كان “تحقيقًا في القوى التي تدفع لدعم حزبه”، كما يقول.

لكن لماذا يثق سكان مدن مثل بلاكبول في زعيم حزب الإصلاح، الذي تلقى تعليمه في كلية دولويتش، ونائبه ريتشارد تايس، المليونير المطور العقاري “العادي”، الذي فاز بمقعد بوسطن وسكيغنيس العام الماضي؟

حتى بوريس جونسون، الذي لم يعرف بتواضع بداياته، كان يتمتع بشعبية كبيرة لدى الناخبين في هذه الدوائر.

لذلك، ليس مستغربًا أن يكون السن والتعليم قد حلّا محل الطبقة الاجتماعية كخط الانقسام الرئيس في السياسة، وفقًا لبيانات نشرها هذا الأسبوع المركز الوطني للأبحاث الاجتماعية، نتيجة لانعدام الثقة في السياسيين التقليديين إلى أدنى مستوياته على الإطلاق.

ومن الواضح أن الخلفية الاجتماعية المتميزة ليست عائقًا أمام احتضان هذه المجتمعات، حتى لو بدا في بعض الأحيان أن الاهتمام بالفقراء هو مجرد استثمار في فرصة سياسية أكثر منه رغبة صادقة في تحسين أوضاعهم.

لكن المسألة لا تتعلق بالثقة فقط، إذ يقول سكان بوسطن إن فاراج وتايس “يتحدثان لغتنا”، بطريقة لا يستطيع السياسيون الآخرون أو لا يريدون التحدث بها.

وهذا له تأثير كبير، ففي مدن مثل بوسطن وسكيغنيس، حيث ينشأ نحو ثلث الأطفال فقراء، والجريمة منتشرة، وتمويل الشرطة منخفض، والمستشفى الريفي المحلي على شفير الانهيار، والمعلمون يضطلعون بدور المستجيبين الأوائل، يشعر السكان بالإهمال والتهميش والاستخفاف. إنهم غاضبون.

منذ البريكست، كان من السهل على من هم خارج هذه المناطق أن يرفضوا مخاوفهم باعتبارها عنصرية أو غباءً محضًا، كثيرون أشاروا إلى أن الناخبين المؤيدين للخروج من الاتحاد الأوروبي باتوا في وضع أسوأ مما كانوا عليه لو بقيت بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

ومن المؤكد أن هناك من يطالب بحرية التعبير فقط للسماح بمرور آراء ضارة دون مساءلة؛ كما أن دعوة حزب الإصلاح إلى “السياسة السليمة عقلانيًّا” في الغالب تكون حافلة بوعود غير مدروسة ومحاولات فكرية سطحية (لكن فعالة) لتبرير التراجع الاجتماعي.

لكن من الواضح أن تجاهل هذه النقاشات والمخاوف ووصمها بالغباء فقط هو أمر خطير، وقد كان دائمًا كذلك.

يكفي أن ننظر إلى الجانب الآخر من المحيط، إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجاذبيته الغريبة لبعض الناخبين غير البيض -وهي ظاهرة موجودة هنا أيضًا، كما اكتشف نيلسون- لندرك السبب.

فإذا كان حزب العمال يريد الحفاظ على السلطة، وإذا كانت بقية البلاد تريد منع صعود فاراج، فإن الوقت غير مناسب الآن للتصورات المتعجلة عن الناخبين.

يقول نيلسون: “يبدو أن حزبي العمال والمحافظين عاجزان نفسيًّا عن تصديق أن هؤلاء الناخبين يقولون ما يعنونه فعلًا”.

ويضيف: “فاراج الآن أشبه بشبح عيد الميلاد القادم، الذي جاء ليخيف ستارمر… إنه يقول: إذا خذلتم هذه المجتمعات، فهكذا ستكون النتيجة. وإذا نظرت إلى جميع المؤشرات فإن كل شيء معدّ للفشل”.

وعلى نحو أدق، فإن هذه المجتمعات -ومنها مدينتي- قد خذلتها الحكومات المتعاقبة مرارًا وتكرارًا. طوال عشرين عامًا، لم يتحقق شيء من التصويت لحزب المحافظين أو العمال. فاراج يقول لمدن مثل بوسطن إن هناك طريقًا آخر، ولم يعد ورقة جامحة يُستهان بها.

ولا يُستهان أيضًا بمحاولات فاراج لاستمالة الخطاب اليساري، فقد أعلن مؤخرًا أنه سيطبّق “ضريبة روبن هود” بقيمة 250 ألف باوند على غير المقيمين، تُعفى من الضرائب وتُخصص لمصلحة فقراء بريطانيا.

كما أن موقف حزب الإصلاح من تأميم خدمات الغاز والمياه آخذ في التطور، ومبتعد بشكل متزايد عن النموذج التاتشري الداعم للتخيخص.

وكان الإصلاح -لا حزب العمال- هو من تعهّد بإلغاء الحد الأقصى لمزايا الطفلين الذي أقره المحافظون. وعلى السطح، تبدو هذه السياسات ليبرالية على نحو مفاجئ. ومن المؤكد أنها صُممت لاستمالة قلوب وعقول مؤيدي حزب العمال، حتى وإن كان فاراج غامضًا بشأن تفاصيلها.

يشرح نيلسون: “هذا جانب مهم جدًّا. فمن الواضح أن سياسات “الإصلاح” تحظى بشعبية… لكن واحدًا فقط من كل خمسة ناخبين في استطلاعنا يعتقد أن الحزب يمكنه تنفيذ هذه السياسات دون فرض ضرائب أعلى أو تقليص الإنفاق، كما يزعم.

وخلال مقابلتي معه، اعترف فاراج تقريبًا بأن كل وعوده مجرد طموحات. وبالنسبة لي، فالحزب لا يملك أي سياسات فعالة حاليًّا. لم يقل إنه سيفعلها. قال إنه يود ذلك فقط”.

ليس مفاجئًا أن يكون فاراج غير صادق، لكن هذا جرس إنذار. فما يفعله زعيم حزب الإصلاح -من خلال تحركاته يمينًا ومحاولاته الوهمية للتوسع يسارًا- هو أنه يُهيِّئ الأجواء السياسية، ويزيد من زعزعة استقرار حزب العمال تمامًا كما يفعل مع المحافظين. وقد حان الوقت أيضًا لوستمنستر أن تفيق.

سكان بوسطن أو بلاكبول، أو أي مدينة أخرى تميل لحزب الإصلاح، لا يعتقدون بالضرورة أن فاراج سيغير حياتهم، لكن -وهنا يكمن المغزى- لا يعتقدون أن أحدًا آخر سيفعل ذلك أيضًا.

قد تكون وعود “الإصلاح” وطموحات فاراج واهية عند التدقيق، لكنها تمثل بالنسبة لمجتمعات عانت من عقود من الإهمال السياسي أكثر مما قُدم لها سابقًا، حتى لو كان مجرد طموح، أو شخص يبدو أنه يستمع إليهم ويعبر عن مشاعرهم.

الخطر الحقيقي إذن ليس فقط أن يصعد فاراج عبر سياسة التذمر، بل أن يبقى حزب العمال وحزب المحافظين لا يفهمان كيف ولماذا يمكن أن يحدث هذا.

قد يكون ستارمر يقدّم مراجعات تفصيلية للسياسات، لكنه يخسر في ميدان السياسة والصورة حيث يهم الأمر حقًّا.

إنه يخفق في الاستحواذ على السرد بلغة يمكن للناس فهمها؛ لأنه هو وريتشل ريفز ما زالا يتحدثان إلى وستمنستر أكثر من حديثهما إلى الناس في الأزقة.

وفي المقابل، يكسب حزب الإصلاح القوة؛ لأن الأحزاب السائدة ترفض التفاعل الحقيقي مع الناخبين في هذه المدن، أو تقديم حلول جريئة وخلاقة لمشكلات مزمنة. وفاراج بالكاد يحتاج إلى جهد، في ظل سلسلة من الأخطاء القاتلة من خصومه.

سكان مدن مثل بوسطن سئموا من الوعود الجوفاء، لكنهم ليسوا أغبياء، وكما اكتشف نيلسون، فهم معتادون على العثور على الأمل في أماكن غير متوقعة.

إنهم يعلمون أن التصويت لحزب الإصلاح مخاطرة، لكن ما يبيعه لهم فاراج هو حلم المغامرة في عالم يبدو أنه لن يتغير أبدًا إن لم يفعلوا هم ذلك.

المصدر: الإندبندنت


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
9:13 pm, Aug 17, 2025
temperature icon 19°C
clear sky
77 %
1022 mb
15 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 0%
Visibility 10 km
Sunrise 5:49 am
Sunset 8:20 pm