الفاشر تحت الحصار: الجوع يفتك بالسكان والمقابر تتمدد في صمت

تعيش مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، أوضاعًا إنسانية مأساوية مع استمرار القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي كثفت قصفها المدفعي وهجماتها بالطائرات المسيرة على المدينة ليلًا ونهارًا.
وأفاد سكان محليون بانقطاع الكهرباء بشكل كامل، وإغلاق المخابز، ونقص حاد في الإمدادات الطبية، فيما تتزايد أعداد القتلى يومًا بعد يوم، لتتوسع المقابر في صمت.
نقطة محورية في حرب أهلية ممتدة
اندلعت الحرب في أبريل 2023 إثر خلافات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بشأن دمج القوات. وقد تمكنت قوات الدعم السريع من تحقيق مكاسب سريعة في وسط السودان، بما في ذلك العاصمة الخرطوم، قبل أن يدفعها الجيش غربًا هذا العام، لتشتعل المعارك في الفاشر.
سقوط المدينة سيعني سيطرة قوات الدعم السريع على معظم إقليم دارفور، ما قد يؤدي إلى تقسيم فعلي للسودان، وفقًا لتحليلات الخبراء.
أزمة إنسانية خانقة ومجاعة وشيكة
يعيش مئات الآلاف من سكان الفاشر والنازحين من مناطق سابقة تحت الحصار في ظل نقص حاد في الغذاء والماء. وأكدت طبيبة محلية أن الجوع أصبح أكبر تهديد من القصف: “الأطفال يعانون من سوء التغذية، والكبار كذلك، حتى أنا لم أتناول الإفطار اليوم”.
قوات الدعم السريع منعت دخول الإمدادات الغذائية، فيما تعرضت قوافل الإغاثة لهجمات متكررة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع المهربة إلى أكثر من خمسة أضعاف المعدل الوطني.
ومع ندرة الغذاء، لجأ السكان لتناول التبن و”الأمباز”، وهو علف مصنوع من قشور الفول السوداني، حتى بدأ ينفد هو الآخر.
الهروب محفوف بالمخاطر
يحاول العديد من السكان الفرار إلى منطقة طويلة الواقعة على بُعد 60 كيلومترًا غرب الفاشر، لكنهم يواجهون هجمات من قوات الدعم السريع على طول الطريق.
وقالت النازحة إينعام عبد الله (19 عامًا): “هاجمونا مرتين أثناء هروبنا. أخذوا الهواتف والأموال، وقتلوا أشخاصًا وخطفوا فتيات أمام أعيننا”.
وبحسب مجموعة “محامو الطوارئ” الحقوقية، قُتل ما لا يقل عن 14 شخصًا وأصيب العشرات في هجمات استهدفت الفارين.
طويلة.. ملاذ غير آمن
تستضيف طويلة أكثر من نصف مليون نازح، معظمهم وصل منذ أبريل، لكن المنطقة تعاني نقصًا حادًا في المساعدات. يحصل السكان على كميات ضئيلة من الحبوب، مثل الذرة الرفيعة والأرز، وهي غير كافية لتلبية الاحتياجات.
وتفاقم الوضع تفاقم مع موسم الأمطار الذي أدى إلى تفشي وباء الكوليرا نتيجة سوء الصرف الصحي. منذ منتصف يونيو، سجلت منظمة أطباء بلا حدود أكثر من 2,500 إصابة بالكوليرا و52 حالة وفاة، بحسب لجنة تنسيق النازحين.
أوضاع معيشية كارثية

تقرير المجلس النرويجي للاجئين كشف أن 10% فقط من سكان طويلة يحصلون على مياه بشكل منتظم، وأقل منهم يحصلون على مراحيض. معظم الأسر تكتفي بوجبة واحدة يوميًا أو أقل.
وتقول هدى علي، أم لأربعة أطفال، وهي جالسة وسط ملاجئ من القش بلا أسقف: “لا نملك منازل تحمينا من المطر، ولا حتى أغطية. علينا الانتظار حتى يتوقف المطر لينام الأطفال”.
رفض الهدنة واستمرار المعارك
رغم دعوة الأمم المتحدة الشهر الماضي لهدنة إنسانية مع بدء موسم الأمطار، رفضت قوات الدعم السريع الدعوة. في الوقت نفسه، تستمر المعارك في إقليم كردفان المجاور، حيث يسعى الطرفان لتثبيت مناطق نفوذهما في ظل تعثر جهود الوساطة.
وترى منصة العرب في بريطانيا (AUK) أن ما يحدث في الفاشر يعكس مأساة إنسانية غير مسبوقة في السودان، إذ يدفع المدنيون الثمن الأكبر في حرب طاحنة بين أطراف متنازعة. تندد المنصة بقطع المساعدات الإنسانية واستهداف المدنيين، وتدعو المجتمع الدولي للتحرك العاجل لوقف القتال وفتح ممرات إنسانية آمنة، قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة شاملة تهدد الاستقرار الإقليمي برمته.
المصدر: reuters
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇