معاداة الإنسانيّة الفلسطينيّة
في خضم الخطاب المتشابك حول القضية الفلسطينية، وبين المفاهيم القانونية والسياسية والعرقية التي وُظّفت لتفسير اضطهاد الشعب الفلسطيني، تبقى هناك فجوة لغوية ومفاهيمية لم تُملأ بعد. فجوة تتعلّق بعمق الأذى الذي يُمارَس ضد الفلسطينيين، لا بوصفهم “قضية” فقط، بل بوصفهم بشرًا.
من هذه الحاجة الملحة، ابتكرتُ مصطلح “معاداة الإنسانية الفلسطينية – Anti-Palestinian Humanism” ليكون إطارًا نقديًا وإنسانيًا جديدًا يسلّط الضوء على البعد الوجودي والأخلاقي لهذا الاضطهاد المستمر.
تعريف المصطلح
معاداة الإنسانيّة الفلسطينيّة تصف ظاهرة تتجاوز الأشكال التقليدية للتمييز أو الاحتلال أو الكراهية السياسية، لتصل إلى إنكار الوجود الفلسطيني ذاته على المستوى الإنساني، إنها ليست فقط موقفًا معاديًا للفلسطينيين سياسيًا أو عنصريًا، بل نظرة ترى الفلسطينيين كأقل قيمةً إنسانية، وأحيانًا ككائنات غير مكتملة الأهلية الوجودية
هذا النفي الإنساني العميق يسمح بمرور الانتهاكات الجسيمة بحقهم دون مساءلة أخلاقية، لأن نظرة العالم، المُخدّرة أو المتواطئة، لا ترى الفلسطيني كـ”إنسان يستحق أن يُحزن عليه”.
لماذا نحتاج إلى هذا المصطلح؟
لقد فشلت المصطلحات الشائعة مثل “معاداة الفلسطينيين – Anti-Palestinianism” أو “التمييز العنصري” أو حتى “الاستعمار الاستيطاني” في الإحاطة بالشكل المركّب من العنف غير المرئي الذي يتعرّض له الفلسطينيون يوميًا: في الإعلام، والتمثيل الثقافي، والخطاب الدولي.
معاداة الإنسانية الفلسطينية تسمّي هذا العنف الرمزي، الأخلاقي، والوجداني. تسمّيه حتى لا يمرّ صامتًا.
أمثلة تجسّد المصطلح
- حين يُسأل صحفي غربي: “هل الفلسطينيون بشر مثلنا؟”، دون أن يُصدم من سؤاله.
- عندما يُبرر قصف المدنيين الفلسطينيين بأنهم “دروع بشرية”، وكأن حياة الطفل الفلسطيني قابلة للاختزال إلى “أداة”.
- عندما يُقال: “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها”, بينما يُغيب “حق الفلسطينيين في الحياة” عن النقاشات الرسمية.
- حين يُترك الفلسطيني للجوع والعطش، بلا أن تُحرّك مأساته ضميرًا عالميًا.
- حينما يتم اختيار الحرب ضدهم كوسيلة بديهية لأي حراك أو معارضة فلسطينية
- حينما يُقتل لمجرد رغبته للحرية.
كل هذه الحالات ليست فقط انحيازًا سياسيًا، بل تجلٍ من تجليات معاداة الإنسانية الفلسطينية، حيث يُجرّد الفلسطيني من كونه إنسانًا متكاملاً.
الفرق بين المصطلحات
معاداة الفلسطيني Anti-Palestinianism: عداء سياسي أو عنصري تجاه الفلسطينيين، مرتبط بالسياسات أو الخطاب العام.
معاداة الإنسانية الفلسطينية Anti-Palestinian Humanism: إنكار القيمة الإنسانية والوجودية للفلسطيني، مما يفتح الباب لقبول الانتهاكات كأمر طبيعي.
دور الإعلام والمجتمع الدولي
تلعب وسائل الإعلام الغربية، وبعض الخطابات في المؤسسات الحقوقية، دورًا بارزًا في إعادة إنتاج معاداة الإنسانية الفلسطينية.
من خلال اللغة التي تبرر القتل والتجويع، وتُفرغ الفلسطيني من مشاعره وآلامه وتاريخه، يتحوّل الإنسان الفلسطيني إلى مجرد رقم أو “خطر ديمغرافي”.
أهمية الاعتراف بالمصطلح
تبنّي مصطلح “معاداة الإنسانيّة الفلسطينيّة” ليس ترفًا لغويًا، بل ضرورة أخلاقية وسياسية. إنه دعوة لتوسيع الخطاب الحقوقي ليتجاوز مفردات الجريمة والقانون، ويدخل حيز الكرامة والوجود والذاكرة ففي عالم باتت فيه اللغة أداة للهيمنة أو المقاومة، يصبح ابتكار مفردة جديدة شكلًا من أشكال الدفاع عن الحق.
إن مصطلح Anti-Palestinian Humanism محاولة لإعادة الاعتبار لإنسانية الفلسطيني، لمكانته كبشر قبل أن يكون لاجئًا أو مناضلًا أو ضحية
وإدخاله في الخطاب السياسي والحقوقي والثقافي وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي، يُعدّ ضرورة ملحّة في ظل تصاعد أنماط إنكار الوجود الفلسطيني.
إنني أقدّم هذا المصطلح للعالم بوصفه لغة جديدة لفهم الاضطهاد، لا تتعلّق فقط بمنع الحقوق، بل بمنع أن يُرى الفلسطيني كإنسان من الأساس.
اقرأ أيضًا:
- ما وراء ظل غزة: الحرب غير المرئية على مستقبل الضفة الغربية
- 25 دولة تتهم إسرائيل بحرمان الفلسطينيين من الكرامة وتطالب بوقف الحرب فورًا
- محامٍ على صلة بنتنياهو حذّر مدعي المحكمة الجنائية الدولية: أسقطوا قضية جرائم الحرب أو ستسحقون
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة
الرابط المختصر هنا ⬇