لا تكن مساهمًا في قتل أهل غزة مرتين
أن تتجاهل أخبار غزة عامدًا متعمّدًا،
أن تمرّ على صور المجازر وأشلاء الأطفال كأنها لا تعنيك،
أن تغلق شاشة هاتفك أو تغيّر القناة كي “لا تنزعج” أو “تحافظ على طاقتك الإيجابية”…
فأنت لا تحمي قلبك، بل تكشف خواءه.
من يرى الإبادة ثم يقول: “لا أريد أن أُثقَل بالمشاعر السلبية”،
كمن يرى إنسانًا يحترق ويقول: “لا أتحمّل رؤية النار”.
تجنّبك للواقع لا يُبرّأك، بل يُدينك.
صمتك ليس حيادًا، بل خذلان.
وخذلانك ليس “خيارًا شخصيًا”، بل مشاركة في الجريمة بالصمت.
إن أهل غزة لا يُقتلون فقط بصواريخ الاحتلال ولا بانهيار المستشفيات ولا تحت الأنقاض،
بل يُقتلون اليوم جوعًا، نعم… جوعًا حرفيًا، في القرن الحادي والعشرين،
تحت سمع العالم وبصره،
عشرات الشهداء ارتقوا في الشهور الأخيرة بسبب الجوع فقط،
أطفال وعجائز وأمهات،
ماتوا وهم يبحثون عن لقمة، أو ينتظرون علبة حليب لا تصل.
هل تتخيل حجم القسوة؟
أن ترى طفلك يتضور أمامك ولا تملك له شيئًا؟
أن تموت أمّ لأن قطعة خبز لم تصل إلى خيمتها في الوقت المناسب؟
أن يموت الجنين لأن أمه لم تجد ماءً نقيًا تشربه؟
إنها ليست مجازًا بل واقعًا موثقًا،
وكل من يغضّ الطرف عنه شريك في صناعته.
البعض يظن أن عدم متابعته للأخبار يُعفيه من المسؤولية،
وأن الانشغال بـ”السلام الداخلي” أولى من “التوترات السياسية”،
وهذا منطق مُخادع لا علاقة له لا بالسلام ولا بالإنسانية.
إن من يربّي نفسه على إهمال آلام الآخرين، لن ينجو من تبلد الشعور،
ولا يستقيم أن ينشد الطمأنينة بينما يتجاهل من يُبادون لأنهم فقط فلسطينيون.
نعم، لا نطالبك أن تكون ناشطًا متفرغًا ولا أن تضحّي بما لا تطيق،
لكن أقل الإيمان أن ترى وتُدرك،
أن ترفض بصمتك،
أن تدعو للضحايا،
أن تُظهر إنسانيتك،
أن تقف في وجه من يُبرر المذابح أو يسوّق لها،
أن تُبقي اسم غزة حيًا في محيطك، لا غريبًا عن لسانك.
صمتك قد لا يوقف القصف،
ولكنه يطيل عمر الظلم حين يصير المعتدي مطمئنًا إلى أن العالم لا يراه،
أو أنه يراه ولا يبالي.
وهذه هي الطعنة الثانية: حين يُقتَل الإنسان ويُدفن في الذاكرة الجماعية قبل أن يُدفن في الأرض.
الاحتلال يدرك تمامًا قوة الصورة والكلمة والوعي،
ويُرعبه أن تنتقل مشاهد المجازر إلى الرأي العام العالمي،
ولذلك يُحارب التوثيق ويمنع الصحافة ويقطع الإنترنت ويعتقل الناشطين.
فلماذا تختار طوعًا أن تكون عونًا له في ما يسعى إليه قسرًا؟!
ليس طبيعيًا أن يُباد شعب بأكمله أمام مرأى العالم،
ويكون ردّك أن “لا وقت” لديك لمتابعة الأخبار.
ليس طبيعيًا أن يحوّلوا غزة إلى مقبرة جماعية،
وتحوّل أنت قلبك إلى مقبرة للرحمة، بحجة ” مش قادر أتحمل أشوف” !!
ثم لنتأمل قليلاً… ماذا لو كنت أنت تحت القصف أو تحت الحصار؟
هل كنت ترضى أن ينشغل الناس بنصائح الطاقة الإيجابية بينما تُنتَشل جثتك من تحت الركام؟
أو أن تموت جوعًا بينما يشكو الناس من انقطاع الإنترنت أو القهوة؟
هل كنت ستغفر لمن تجاهل معاناتك بدعوى أنه “لا يريد أن يُثقل نفسه بالحزن”؟
ضع نفسك لحظة مكان أهل غزة… فقط لحظة،
ثم اسأل قلبك: أأصمتُ؟ أم أُعلن إنسانيتي؟
إننا لا نكتب هذا لجلد الناس، بل لنذكّرهم.
فمن نحبهم لا نسمح لهم بأن يفقدوا حسّهم الإنساني.
ومن نراهم على خير، لا نرضى لهم أن يُصابوا باللامبالاة المهلكة.
غزة لا تطلب الكثير،
تطلب أن تبقى في القلب،
أن تُذكَر في الدعاء،
أن تُروى قصتها،
وأن يعرف الظالمون أن أضواء العالم ما زالت مُسلّطة عليهم.
في النهاية، نعم…
قد لا تُنقذ متابعتك أحدًا من تحت الأنقاض،
لكن تجاهلك قد يسهم في موته مرتين:
مرةً بصاروخ أو تجويع،
ومرةً بسلبيتك.
اقرأ أيضًا:
- كيف انتصر الدكتور غسان أبو ستة على قرار المنع في ألمانيا؟
- الموت جوعًا في غزة.. وصمة عار على جبين العالم
- “دلّني”.. منصة عربية جديدة تسد فجوة الخدمات الثقافية للمهاجرين في بريطانيا
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة
الرابط المختصر هنا ⬇