ندوة “الصوت العربي”: خفض سن التصويت في بريطانيا.. فرصة حقيقية أم تمثيل رمزي؟

في خطوة لافتة قد تُحدث تحولًا في شكل المشاركة السياسية داخل المملكة المتحدة، أعلنت الحكومة البريطانية عن قرار خفض سن التصويت إلى 16 عامًا، وهو ما فتح الباب أمام نقاش واسع حول جدوى القرار، وحدود تأثيره، والفئات التي يمكن أن تستفيد منه أو تتجاهلها الآليات الديمقراطية القائمة.
وفي هذا السياق، نظّمت منصة “العرب في بريطانيا – AUK” مساء الخميس 17 يوليو 2025 ندوة حوارية تحت عنوان: “الشباب العربي في بريطانيا… هل نحن مستعدون للتصويت في سن الـ16؟”، ضمن فعاليات حملة “الصوت العربي” الهادفة إلى تعزيز حضور العرب في الانتخابات المقبلة والمشهد السياسي البريطاني عمومًا.
أدار الندوة الإعلامي إبراهيم قاسم، وشارك فيها كل من الطبيب والتربوي د. محمد دسوقي من نيوكاسل، والمعلمة المتخصصة في التعليم الثانوي الأستاذة زينب كمال، إلى جانب الشاب العربي طارق عثمان، أحد أصوات الجيل الثاني في بريطانيا. وقد تخللت النقاش شهادات من الحضور، تباينت فيها الآراء بين التفاؤل الحذر والدعوة إلى تمكين أعمق يتجاوز مجرّد منح الحق بالتصويت.
بين الأمل والتساؤل: ماذا يعني القرار فعلًا؟
رغم الترحيب العام بخفض سن التصويت، اتفقت مداخلات المشاركين على أن القرار وحده لا يكفي. فبدون إصلاحات أعمق تطال التعليم المدني، وتمثيل الفئات المهمشة، وتفعيل أدوات التأثير الحقيقي، قد يتحول هذا الإجراء إلى مجرد خطوة رمزية لا تُترجم إلى تغيير فعلي في حياة الشباب، لا سيما أولئك المنتمين إلى الجاليات العربية والمسلمة.
طارق عثمان، أحد المشاركين في الندوة، عبّر عن هذا القلق من موقعه كشاب وناشط عربي، مؤكدًا أن التجربة الانتخابية بالنسبة لجيله ظلت دومًا مرتبطة باللامبالاة أو الإقصاء. وقال: “كنا نظن أن الديمقراطية لا تخصنا… لم نشعر يومًا أن السياسات تُصاغ لنا أو بنا”. وأضاف أن منح الشباب حق التصويت في سن 16 عامًا يُعد خطوة إيجابية، لكنه حذر من تحويلها إلى أداة لاستقطاب الأصوات فحسب دون توفير تمثيل حقيقي داخل الأحزاب والبرلمان.
مدارس بلا تربية مدنية.. والوعي مفقود
من جانبها، قدّمت المعلمة زينب كمال صورة صادمة عن ضعف التكوين السياسي لدى طلاب المرحلة الثانوية، مشيرة إلى أن كثيرًا من الطلاب لا يستطيعون التفريق بين البرلمان والحكومة، ولا يدركون آليات عمل النظام الديمقراطي البريطاني.
وقالت كمال: “ندرس السياسة بشكل نظري وجاف، لكننا لا نُهيّئ الطالب ليكون مواطنًا. لا أحد يعلّمه كيف يفكر سياسيًا، أو كيف يشارك أو يحتج أو ينتخب”. وأضافت أن قرار خفض سن التصويت قد يصبح عبثيًا إن بقيت المدرسة بعيدة عن تهيئة الطالب للمشاركة الفاعلة.
تهميش مستمر أم بداية تغيير؟
أما د. محمد دسوقي فقد تناول القضية من زاوية أوسع، متحدثًا عن أزمة ثقة متجذرة بين الشباب العربي والمؤسسات السياسية البريطانية. وأوضح أن كثيرًا من هؤلاء الشباب نشأوا في بيئة تشعرهم بأنهم “خارج المعادلة”، وأن العمل السياسي حكر على فئات لا تشبههم.
وأكد دسوقي أن القرار الأخير يمكن أن يفتح نافذة جديدة، لكنه شدد على أن التغيير لن يحدث ما لم تُعَد صياغة العلاقة بين الدولة والشباب، ويُكسر حاجز التمثيل، وتُفتح أمامهم فرص للتعبير والمشاركة، بعيدًا عن الصور النمطية التي تحاصرهم.
شهادات من الواقع: شكوك وآمال
الندوة لم تقتصر على الضيوف الرئيسيين، بل شهدت تفاعلًا لافتًا من الحضور، الذي ضمّ معلمين وطلابًا ونشطاء. إحدى المشاركات عبّرت عن مخاوفها من أن يكون القرار تجميليًا، قائلة: “نخشى أن يُستخدم فقط لكسب أصوات الشباب دون تمكينهم فعلًا. لا نريد أن يتحوّل إلى ديكور ديمقراطي”.
طالب عربي آخر قال بصراحة: “أنا سأصوّت، لكن لا أشعر أن صوتي سيُحدث فرقًا، لأنني لا أرى أحدًا يشبهني داخل البرلمان”. شهادات تعكس الهوة بين الفعل السياسي والمؤسسات، وبين الشباب الذين ما زالوا يبحثون عن مساحة تمثّلهم وتمكّنهم.
حملة “الصوت العربي”: تنظيمٌ لاستخلاص الفرصة
وتأتي هذه الندوة ضمن سلسلة فعاليات تنظمها حملة “الصوت العربي” التي أطلقتها منصة AUK مطلع عام 2024، استجابة لدعوات واسعة بضرورة تنظيم الصوت العربي في المشهد السياسي البريطاني. وقد سعت الحملة منذ انطلاقها إلى تشكيل فريق تطوعي من كفاءات عربية متنوعة، لتوحيد الجهود والعمل على زيادة الوعي السياسي، والمطالبة بالتمثيل العادل، والدفاع عن قضايا الجالية في الانتخابات العامة.
وتستمر الحملة في استقطاب المهتمين، داعية إلى بناء شراكات فاعلة داخل الأحزاب والتيارات السياسية الكبرى، وإيجاد منصات سياسية تعبّر عن هوية العرب البريطانيين وتخاطب قضاياهم من دون تجزئة أو تهميش.
المشاركة لا تبدأ من صندوق الاقتراع فقط
في ختام الندوة، أكدت منصة العرب في بريطانيا أن خطوة خفض سن التصويت إلى 16 عامًا تظل إيجابية في ظاهرها، لكنها تبقى بلا جدوى إن لم تُرافقها خطوات عملية لإشراك الشباب العربي بفعالية حقيقية. وشددت المنصة على أن المشاركة السياسية لا تبدأ من صندوق الاقتراع، بل من المدرسة، والمنزل، ومن الفضاء العام الذي يمنح كل فرد الإحساس بأنه جزء من القرار، لا مجرد رقم في قائمة الناخبين.
كذلك دعت AUK إلى العمل على تكريس هذا التحول عبر برامج تعليمية ومدنية وتدريبية، وتوفير مساحات إعلامية وسياسية حقيقية لأصوات الشباب العربي، مؤكدة أن من لا يُمثّل اليوم… سيُقصى غدًا.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇