العرب في بريطانيا | قصة "اللصوص الجزائريين" في بريطانيا.....

1447 محرم 15 | 11 يوليو 2025

قصة “اللصوص الجزائريين” في بريطانيا.. ما لم تقله الصحافة عن قضية سرقة الساعات

WhatsApp Image 2025-07-10 at 11.34.58 AM

شهد هذا الأسبوع تغطية إعلامية واسعة في بريطانيا لقضية سطو تورّط فيها أربعة رجال يحملون الجنسية الجزائرية، استهدفوا عناصر شرطة متخفّين تنكّروا على هيئة زوجين ثريين في حي مايفير الفاخر بلندن. حاول المتهمون سرقة ما اعتقدوا أنها ساعات فاخرة باهظة الثمن، من بينها نسخة مقلدة من ساعة Patek Philippe تُقدَّر قيمتها بـ70 ألف باوند، قبل أن يُلقى القبض عليهم سريعًا من قِبل وحدة من الضباط بلباس مدني كانت تراقب العملية.

وقد صدر حكم بالسجن لمدة خمس سنوات إجمالًا بحق اثنين من المتهمين، وهما يعقوب حركت (21 عامًا) ومحمد ناس (35 عامًا)، بعد إدانتهما بتهمة السرقة. أما الآخران، يانس عمري وعادل محمدي، فقد أُدينا غيابيًا ولا يزالان فارّين من العدالة.

ظاهريًا، تتوفّر في هذه القضية جميع عناصر الإثارة التي تجذب التغطية الإعلامية: هدف فاخر، ومراقبة بوليسية متقنة، وجريمة منظمة. لكن ما لفت انتباه كثير من منصات الإعلام لم يكن تفاصيل السرقة بحد ذاتها، بل التركيز اللافت في التغطية على جنسية المتهمين الجزائرية.

لماذا كان هذا خبرا بارزًا؟

وقعت الحادثة في حي مايفير، أحد أرقى أحياء لندن، والذي يُعتبر – بحسب الشرطة – “عاصمة السرقات المتعلقة بالساعات” على مستوى أوروبا. وقد نصبت الشرطة عملية مصيدة للإيقاع بعصابات تستهدف المارة الذين يرتدون مجوهرات أو ساعات فاخرة.

وبطبيعة الحال، نالت القضية اهتمامًا إعلاميًا بفضل طابعها “السينمائي” نوعًا ما: ضباط متخفون، وساعات مصمّمة، واعتقال درامي تم توثيقه بكاميرات المراقبة. غير أن ما ضاعف من التركيز الإعلامي هو إبراز جنسية المتهمين في عناوين الأخبار، حيث تصدّرت عبارات مثل “لصوص رولكس الجزائريون” نتائج البحث – وهو وصف كان من المستبعد استخدامه لو كان المتهمون بريطانيين، أو جنسية أوروبية أخرى.

الجنسية كأداة للتأطير الإعلامي

في بريطانيا، من الشائع أن يتم تسليط الضوء على خلفية المشتبه بهم العرقية أو الوطنية، خاصة في الجرائم البارزة أو العنيفة. وقد لاحظت دراسات عديدة وجهات رقابية إعلامية أن المتهمين المنحدرين من أقليات عرقية غالبًا ما تُذكر خلفياتهم بوضوح أكبر مقارنة بنظرائهم البيض، حتى عندما لا تكون لهذه التفاصيل أي علاقة مباشرة بالجريمة.

وهذا الانحياز ليس مجرد مسألة صياغة. بل هو عامل يؤثر في تشكيل الرأي العام، ويعزز الصور النمطية السلبية. فعندما يرتكب شخص أبيض جريمة سرقة، يُقدَّم الأمر غالبًا كحادثة فردية. أما إن كان الفاعل مهاجرًا، فقد تتحول القضية إلى ملف “هجرة” أو “أزمة مجتمعية” تعكس زورًا سلوك جماعة بأكملها.

عبء التمثيل غير العادل

بالنسبة للعديد من أبناء الجالية الجزائرية والعربية في بريطانيا، فإن مثل هذه القضايا لا تنتهي بانتهاء المحاكمة، بل تخلّف أثرًا اجتماعيًا ثقيلًا: إذ تُحمَّل الجاليات بأكملها تبعات تصرفات أفراد، ويُنظر إلى آلاف الأشخاص العاديين – من طلاب وعمال وأسر – بعيون الريبة بسبب عناوين صحفية اختزلت مجتمعات معقّدة في صورة نمطية مجرّدة.

ولا يقتصر هذا النمط على العرب وحدهم، بل يعكس اتجاهًا أوسع في كيفية تقديم الأقليات العرقية حين يتعلق الأمر بالجريمة. فبينما نادرًا ما يُربط البيض بخلفياتهم عند ارتكابهم جرائم، غالبًا ما تُقدَّم جرائم المهاجرين بوصفها “مرآةً” لجماعات بأكملها.

نحو تغطية أكثر إنصافًا

من المهم الإقرار بأن السطو المنظّم في الشوارع جريمة جدّية، وقد وضعتها شرطة العاصمة ضمن أولوياتها، خاصة في مناطق مثل مايفير حيث تستقطب السلع الفاخرة اللصوص. لكن التعامل مع هذه الظاهرة لا ينبغي أن يأتي على حساب العدالة الإعلامية.

فالتركيز المفرط أو الاستعراضي على جنسية المشتبه بهم يُشكّل خطرًا على الخطاب العام، ويشوّه الفهم المجتمعي. من الممكن – بل من الضروري – تغطية الجرائم دون اختزالها في خلفيات عرقية أو قومية، وإلا فإن الصحافة قد تسهم، من حيث لا تدري، في تغذية الانقسام بدلاً من مساءلة السلطة.

ولا يعني هذا الطرح بأي حال من الأحوال التهوين من خطورة الجريمة المرتكبة أو التماس الأعذار لمرتكبيها، بل هو دعوة للنظر في الطريقة التي يُبنى بها الخطاب الإعلامي، وكيف يمكن للغة أن تصنع انطباعات جماعية غير عادلة تتجاوز حدود الجريمة نفسها.

 


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
1:36 pm, Jul 11, 2025
temperature icon 30°C
few clouds
41 %
1020 mb
6 mph
Wind Gust 9 mph
Clouds 13%
Visibility 10 km
Sunrise 4:56 am
Sunset 9:15 pm