تعلم من غزة الامتنان
علمتنا غزة أن الشكر ليس باللسان فقط، بل في أن نفتح أعيننا على النعم قبل أن نفتح أفواهنا بالشكوى.
نحن الذين نتأفف من حرارة الصيف، ونتذمر من ازدحام الحافلات، وتأخر المواعيد، وقلة الراحة، ننسى أن لدينا سقفًا يؤوينا، وماءً نظيفًا، وطعامًا، وأمنًا وأمانًا، ونِعمًا كثيرة لا تُعد ولا تُحصى.
في غزة، يحلم الناس بما نعدّه نحن أساسيات، ويواجهون الموت برباطة جأش لا نملكها في حياتنا المُترفة. فلنتعلم من صبرهم وشكرهم، ولنحمد الله على ما نملك قبل أن نفقده.
هناك، في غزة، لا كهرباء، لا ماء، لا ظل، ولا هواء نقي. فقط أجساد مرهقة تنتظر الفرج، وقلوب ثابتة بالإيمان. بيوت بلا أسقف، وخيام بلا أبواب، وأطفال بلا ألعاب، ورُضّع بلا أمهات.
نحن الذين نشكو من ضغط العمل، ومن الروتين والملل، وهناك من لا يملك طريقًا أصلًا. شوارع مدمّرة، ومواصلات مفقودة، ولا عمل لديهم، ولا أمان.
أطفال غزة لا يسألون: “متى العطلة؟”، بل يسألون: “متى تنتهي الغارة؟ متى نعود لحياتنا؟ متى نجمع قطع ألعابنا المتطايرة بين الركام؟”
نحن الذين نسهر في أمان، نضحك، نخطط، ونأكل ما نشتهي، بينما في غزة يُباد كل شيء، وتُقتل الأحلام قبل أن تكبر.
ورغم كل هذا، هم صامدون، راسخون، يقولون: الحمد لله، وحسبنا الله ونِعْم الوكيل. يصبرون وكأن الجنة وعد عاينوه، وكأن الشهادة بوابة اعتادوها.
فيا من ضاقت به الدنيا، تذكّر أن كل صعابنا تصبح هينة أمام ما يحدث في غزة.
يا من تذمّر من وجبة طعام لم تعجبه، أو من إلحاح أطفاله على اللعب معه، أو من متطلبات الحياة ومسؤولياتها… تعلّم من أهل غزة.
فقد علّمونا أن الامتنان لا يكون فقط حين تتساقط النِعَم، بل حين تتساقط القذائف وتنهار البيوت، ويظل القلب يردد: الحمد لله.
الحمد لله برجفة صوت وثبات أقدام،
الحمد لله من جسدٍ نحيل وإرادة قوية،
الحمد لله من شعبٍ يرفض غير الحرية.
غزة لا تطلب منّا الحزن، بل أن نوقظ إنسانيتنا، أن نطهّر قلوبنا من الاعتياد على النعم، أن نشكر الله حق الشكر، أن نستشعر كل رشفة ماء، كل لحظة أمان، كل نفس دون خوف.
كن ممتنًا، فبين يديك ما يتمناه غيرك.
هل استيقظت اليوم على سريرك؟
هل تنعّمت بماء دافئ، وكسرة خبز، وبيت يؤويك؟
هل سمعت صوت أحبّتك بوضوح، دون أن يختلط بصوت القذائف والزنانات؟
إذًا، قل الحمد لله، وكن من الشاكرين.
“من أصبح منكم آمنًا في سِربه، معافًى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا.”
حديث شريف يحمل في معناه كل معاني الامتنان.
فإن كنت تقرأ هذه الكلمات وأنت في أمان، تقرأها بوضوح، بعيونٍ ليست متألمة، فلديك من النعم ما يُحرَم منه الملايين.
في غزة، يُولد الأطفال تحت القصف، وتُدفن أحلامهم.
في غزة، لا صوت يعلو فوق صوت الحصار، ولا شيء يبقى سوى الصبر.
هناك، من لا يجد ماءً نقيًا، ولا دواءً، ولا حتى رغيف خبز.
ورغم ذلك، ترى في أعينهم إيمانًا لا يُقهر، وابتسامة تُجعلك تخجل من نفسك على ما تملك.
فهل بعد هذا نغفل عن الشكر؟
هل ننسى أن نحمد الله على نعمة الحياة التي نحيا؟
نِعَمٌ لا تُعد ولا تُحصى… فكن ممتنًا لله، وتعلّم من غزة.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة