أن تكون عربيًا في عالم يتغير: كيف نحمي هويتنا بلا انغلاق؟
في عالمٍ يتبدل كل لحظة، حيث تتسارع التكنولوجيا، وتتلاشى الحدود الثقافية، وتتغير الموازين السياسية والاقتصادية، يجد العربي نفسه أمام سؤال لا يقل أهمية عن أسئلته الوجودية:
كيف أظل عربيًا دون أن أتحول إلى كائن منغلق؟
وكيف أنخرط في هذا العالم المتشابك دون أن أذيب ذاتي أو أتنكر لجذوري وهويتي؟
الهوية ليست سجنًا، وليست درعًا من حديد، بل هي كائن حي، ينمو ويتأثر ويتفاعل. ومن الخطأ اختزال الهوية العربية في مظاهر جامدة أو شعارات محفوظة. اللغة، والدين، والتاريخ، والعادات، والقيم، ليست صناديق مغلقة نخزنها في رفوف الذاكرة، بل لبنات حيّة يمكن أن نبني بها مستقبلًا متجددًا، دون أن نبدأ من الصفر.
لقد تغيّر العالم، وبات من السهل أن يحمل الشاب العربي هاتفًا ذكيًا، ويتكلم لغة الآخر، ويستهلك ثقافته، بل أحيانًا يستهين بموروثه ويشعر نحوه بالحرج أو النقص. في المقابل، هناك من استثمر هذا الانفتاح لينشر التراث العربي، ويقدّمه بلغة العصر، ويثبت أن الأصالة لا تتعارض مع الحداثة، بل يمكن أن تتناغم معها إذا أحسنا البناء.
حماية الهوية تبدأ من الداخل
حين نتحدث عن حماية الهوية، لا نعني الانعزال أو إعلان الحرب على الجديد. نحن نتحدث عن فهم الذات أولًا. تعليم اللغة العربية لأبنائنا بأساليب حديثة، وتجديد الخطاب الثقافي والديني، وتعزيز قيم الانتماء في المدارس والإعلام، كلها خطوات بسيطة لكنها جوهرية. كما أن دعم الإبداع العربي، وتوفير منصات للشباب للتعبير بلغتهم الخاصة، يجعل الهوية أمرًا حيًّا ومتجددًا، لا مجرد ذكرى محنطة في متحف.
الانفتاح الواعي لا يُفقدنا ذاتنا
في مواجهة تيارين متناقضين؛ أحدهما يدفع نحو الانغلاق والآخر نحو الذوبان، يبدو الحل في الانفتاح الواعي. أن نعرف من نحن، وأن نختار ما نأخذ من الآخر بوعي نقدي لا عقد نقص.
حقوق الإنسان، والتكنولوجيا، والحريات الفكرية، ليست تهديدًا لنا إذا عرفنا كيف نُكيّفها في إطارنا الثقافي، بدلًا من أن نُسقطها بالكامل أو نرفضها بالكامل.
أن تكون عربيًا في عالم اليوم لا يعني أن تضع جدرانًا حول نفسك، بل أن تبني جسورًا نحو العالم. أن تعتز بلغتك، وتفخر بجذورك، وتشارك بقوة لا بخوف، بثقة لا بتراجع، وأن تدرك أن الهوية التي تنغلق تموت، أما التي تنفتح بوعي، فهي تبقى وتزدهر.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة