العرب في بريطانيا | من اليمن… قصة واقعية عن الحمير التي تقود البشر

1447 محرم 15 | 11 يوليو 2025

من اليمن… قصة واقعية عن الحمير التي تقود البشر

مقالArtboard 2 copy (1)

في إحدى قرى اليمن، حيث تتداخل البساطة مع القسوة، روى الأديب محمد مصطفى العمراني قصة موجعة لكنها آسرة، قصة لا تتوقف عند حدود الجغرافيا أو الزمان، بل تمتد لتكشف شيئًا عميقًا فينا نحن البشر: في طريقة تفكيرنا، وخضوعنا للعادات، وخوفنا من التغيير.

يحكي العمراني في كتابه “نحن والحمير في المنعطف الخطير” أن أهل قريته كانوا يواجهون خطرًا حقيقيًا كلما خرجوا لجلب الماء من عين بعيدة. الطريق كان يمر بمنعطف ضيق يطل على وادٍ سحيق، وقد شهد هذا المنعطف مآسي متكررة، إذ كان أطفال صغار يسقطون مع الحمير في هاوية الموت، ومع ذلك… لم يتغيّر شيء. ظل الحال على ما هو عليه، كأن الخطر أصبح جزءًا من الحياة، وكأن الموت هناك لا يثير السؤال، بل صار اعتياديًا!

مرّت السنوات، وكبرت المآسي، وشيّد الحزن له موطئًا على أطراف الذاكرة، إلى أن اجتمع وجهاء القرية ذات يوم يناقشون ما يمكن فعله. يومها تقدّم الكاتب بسؤال بسيط، لكنه أربك الجميع: “لماذا لا تسلكون طريقًا آخر أكثر أمانًا؟”

جاءه الجواب صادمًا، غريبًا، حزينًا: “نحن نمشي وراء الحمير، وهي من تسلك بنا ذلك الطريق.”

هكذا، ببساطة، اعتاد الناس على اتباع خطوات الحيوان الذي يقودهم نحو الخطر، دون سؤال، دون تفكير، دون محاولة للبحث عن بديل. لم يكن الأمر سخرية، بل حقيقة يعيشها كثيرون في مجتمعاتنا، حين تُقمع فيهم روح المبادرة، ويُغلّف الخوف بغشاء من الطاعة، وتُصبح الحياة سلسلة من التكرار الخانع.

استمر الحال حتى جاء مشروع لإيصال الماء إلى البيوت. بُذلت جهود، وتم تجاوز المنعطف، وتنفس الناس قليلًا من الأمان. لكن المشروع تعثّر لاحقًا، لا لغياب الإمكانات، بل بسبب خلافات داخلية، وسوء إدارة، وربما لا مبالاة. فتوقّف كل شيء… وعاد الناس من جديد إلى جلب الماء بالحمير، إلى الطريق نفسه، إلى المنعطف ذاته، إلى الخطر.

وهنا، تتجاوز القصة حدود قريته الصغيرة لتتحول إلى مرآة كاشفة لما نعيشه في أوطاننا ومؤسساتنا، وأحيانًا في قراراتنا الفردية. فكم من فكرة خطرة تبنيناها لأن “الناس كلهم يفعلونها”؟ وكم من طريق قاتل سرناه لأن “هكذا اعتدنا”؟ وكم من زعيم أو قيادة أو سلطة تركنا لها زمام عقولنا لأننا خفنا أن نسأل أو نختلف؟

نحن في كثير من الأحيان لا نقف عند المفترق لنفكر، بل نركض وراء من اعتدنا أن نتبعه، ولو كان يقودنا إلى هاوية. والتغيير، حين يحدث، يكون هشًّا إن لم نحمه بالإرادة والإدارة والتكاتف. فحتى المشاريع الإصلاحية، لو تُركت بلا رعاية، تنهار، ويعود الناس إلى الوراء، كأنهم لم يتقدّموا خطوة.

قصة العمراني، رغم رمزيتها، هي رسالة صريحة لكل من يسير خلف قطيع لا يدري إلى أين يمضي، لكل من يكرر النمط نفسه رغم الخسائر، لكل من يخشى الطريق الجديد رغم أنه أقل خطرًا. إنها دعوة لأن نمتلك وعينا، وأن نسأل: لماذا؟ إلى أين؟ وهل يمكن أن نختار غير ما اعتدنا عليه؟

الحمير في القصة ليست مذنبة، لأنها ببساطة لا تعقل. أما البشر، فالمأساة أنهم يملكون العقل… لكنهم لا يستخدمونه حين ينبغي. وهذه هي الكارثة.

ويبقى السؤال مفتوحًا، صادقًا، مؤلمًا: هل نحن اليوم نُفكّر؟ أم ما زلنا، في مجتمعاتنا ومؤسساتنا وقراراتنا، نمشي وراء الحمير؟

 


اقرأ أيضًا:

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
3:20 pm, Jul 11, 2025
temperature icon 31°C
clear sky
37 %
1019 mb
4 mph
Wind Gust 6 mph
Clouds 5%
Visibility 10 km
Sunrise 4:56 am
Sunset 9:15 pm