المقاطعة سلاح الشعوب في وجه الاحتلال والتطبيع
في زمن تتسارع فيه محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وتزداد فيه محاولات تزييف الوعي وتمييع المواقف، تبرز المقاطعة بوصفها أداة مركزية في معركة التحرر لا تقل شأنًا عن الكفاح السياسي والمقاومة الميدانية.
إن دعم القضية الفلسطينية لم يَعُد خيارًا أخلاقيًّا فقط، بل صار واجبًا وطنيًّا وإنسانيًّا، ومسؤولية تاريخية تقع على عاتق كل حر.
من المهم أن ندرك أن فلسطين ليست مجرد ملف سياسي أو فقرة عابرة في نشرات الأخبار، إنها وطن له تاريخ عريق قبل النكبة وقبل الاحتلال، وقبل تحويله إلى قضية تتفاوض عليها الأنظمة.
حين نقول فلسطين قبل القضية فنحن نعيدها إلى جذورها التاريخية والدينية والإنسانية، لا بوصفها أرضًا متنازعًا عليها فقط، بل بوصفها وطنًا محتلًّا لا يسقط حقه بالتقادم.
الاحتلال لم يكتفِ باغتصاب الأرض وتشريد سكانها الأصليين، بل سعى إلى أسر العقول وتشويه الوعي برواياته المزيفة عبر التكنولوجيا والمراقبة والإعلام والتعليم، وحتى في السجون الحديثة يحاول العدو تكريس الهزيمة داخل النفوس. هذا ما عبر عنه الأسير الشهيد وليد دقة حين تحدث عن السجون بوصفها وسيلة لصهر الذات، لذلك فإن مناهضة التطبيع هي قبل كل شيء معركة على وعي الأمة، فإما أن نستيقظ، وإما أن نبقى في سجن أعمق وأبشع من مجرد وجودنا خلف القضبان.
كلنا نعلم أن التطبيع ليس القبول بالعدو فقط، بل تزيين صورته أيضًا.
التطبيع بكل أشكاله -السياسي والثقافي والإعلامي والاقتصادي- ليس سلوكًا عابرًا، بل جريمة تطعن نضال الشعب الفلسطيني في خاصرته. عندما يستضيف إعلامي عربي ممثلًا عن الاحتلال، أو يشارك فنان في مهرجان برعاية صهيونية، أو توقع جامعة عربية على اتفاقية تعاون مع جامعة في تل أبيب، فإن ذلك ليس مجرد تواصل أكاديمي أو ثقافي، بل خيانة مباشرة وعار.
أخطر ما في التطبيع أنه يُضعف الذاكرة الجمعية، ويفرض العدو بوصفه شريكًا، ويسعى لإعادة صياغة الوعي ليجعل المجرم جارًا وصديقًا. إن المقاطعة هي الحد الأدنى من الكرامة، وأقصى درجات التأثير في هذا الزمان.
مطالبات حركات المقاطعة هي مطالب لسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وليست مقاطعة لمنتج أو شركة فقط، بل فعل مقاوم يومي يعزل الاحتلال، ويجرده من شرعيته الاقتصادية والسياسية.
لقد أثبتت التجارب أن المقاطعة سلاح فعال، سواء في جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري أو في تجربة غاندي في الهند. واليوم بعدما رأينا ما يحدث من إبادة قذرة في غزة تبيّن أن المقاطعة ليست خيارًا رمزيًا فحسب، بل أصبحت أضعف الإيمان، ويُقصَد بأضعف الإيمان هنا الحد الأدنى الذي لا يُعذر أحد بتركه.
التحرر ليس مهمة النخب السياسية وحدها، بل مسؤولية مجتمعية شاملة لا تعذر ولا تستثني أحدًا، وهنا يبرز دور الحراك الطلابي الذي يقود التعبئة في الجامعات لزيادة الوعي وتنظيم الطاقات، فقوة الشعب ليست شعارًا، بل هي التراكم الكمي للوعي والتنظيم والمشاركة.
العدو يدرك أثر المقاطعة، ويعتبرها خطرًا محدقًا؛ لأنها تهز صورته العالمية، وتؤثر في اقتصاده، وتفقده السيطرة على الرواية.
المقاطعة موقف والموقف هو بداية الانتصار
دعم فلسطين من ناحيتنا نحن لا يحتاج إلى سلاح، بل إلى وعي وقول الحق ورفض الظلم. المقاطعة ليست فعلًا سياسيًّا فقط، بل هي بيان هُوية، وإعلان أخلاقي، وصوت حر في وجه الخيانة.
شارك في المقاطعة، وقاوم بالتوعية، وارفض التطبيع بكل أشكاله؛ ففلسطين تنتظر صوتك وسلوكك ونبضك الحر.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة