هل وجدت إسرائيل في استهداف إيران مهربًا من مسؤوليتها عن تجويع غزة؟

في الساعات التي تلت العدوان الإسرائيلي على أهداف في إيران، خيّم صمت ثقيل على غزة. توقفت شحنات الغذاء والمساعدات، وتعطّلت شبكات الاتصالات، فيما جرى تأجيل القمة الفرنسية-السعودية التي كانت تمهد لاعتراف أوسع بدولة فلسطينية. وبينما كانت الأنظار تتجه نحو معاناة الفلسطينيين في القطاع المحاصر، بدت الضربات الجوية على طهران وكأنها منحت تل أبيب فرصة للهروب من المساءلة الدولية، وصرف الانتباه عن الكارثة الإنسانية المتواصلة في غزة.
من غزة إلى طهران: تحوّل في الأولويات الدولية

‘إسرائيل’ لم تنتظر طويلًا بعد تنفيذ هجومها على إيران لتعلن أن طهران باتت تمثل “الأولوية الأمنية القصوى”، وهو ما دفع الملف الفلسطيني إلى الهامش، في السياسة والإعلام معًا. هذا التحوّل المفاجئ جاء في وقت كانت تتصاعد فيه الضغوط الدولية على حكومة بنيامين نتنياهو، بسبب المجاعة المتفاقمة في غزة، وارتفاع أعداد الشهداء الفلسطينيين، خاصة الأطفال.
وفي تعليقه على هذا التطور، قال خافيير أبو عيد، المستشار السابق في منظمة التحرير الفلسطينية: “الهجوم على إيران لا يعني أن الحرب على غزة انتهت. ما زال القتل مستمرًا، لكن العالم لم يعد ينظر إليه بالاهتمام نفسه”. وأضاف: “هذه رسالة من إسرائيل مفادها أن لا حلول سياسية في المنطقة، وأنها ستفعل ما يلزم لإفشال أي مساعٍ دولية لصالح فلسطين، بما في ذلك تقويض المفاوضات بين واشنطن وطهران”.
تراجع الزخم الدبلوماسي بشأن فلسطين
العدوان الإسرائيلي على إيران جاء في لحظة دقيقة، حيث كانت عدة دول أوروبية تتجه لمواقف أكثر وضوحًا تجاه الجرائم الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية. ألمانيا وهولندا، وهما من أقرب حلفاء إسرائيل، عبّرتا عن قلق متزايد إزاء الحصار الطويل على غزة، وتحذيرات الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة، إضافة إلى ازدياد اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أعلن عن مراجعة لملف حقوق الإنسان ضمن اتفاق التجارة الحرة مع ‘إسرائيل’، مع توقعات بمناقشة النتائج قريبًا في مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي. كما فرضت بريطانيا وفرنسا وكندا والنرويج عقوبات على وزيرين إسرائيليين لتحريضهما المتكرر على العنف ضد المدنيين الفلسطينيين.
وفي ضوء هذه التحركات، كانت القمة الفرنسية-السعودية المرتقبة تُعدّ خطوة كبيرة نحو اعتراف أوروبي بدولة فلسطينية، وهو ما أقلق ‘إسرائيل’ ودفع الولايات المتحدة إلى تحذير دبلوماسي للدول من حضور القمة. لكن هذا الزخم كله تجمّد بعد التصعيد العسكري مع إيران، ما طرح تساؤلات حول توقيت الضربة ودوافعها السياسية.
غزة في عزلة… والمجاعة تشتد
في الوقت الذي تحول فيه التركيز الدولي نحو طهران، غرقت غزة في عزلة شبه كاملة. فقد أعلنت الأمم المتحدة عن انقطاع شامل لشبكات الهاتف والإنترنت، بسبب أضرار في كابلات الألياف البصرية، مشيرة إلى أن ‘إسرائيل’ رفضت أكثر من 20 طلبًا لإجراء إصلاحات عاجلة منذ أبريل.
“الموت في كل مكان”
كتب الصحفي في قناة الجزيرة، أنس الشريف، على منصة “إكس”: “المجاعة تزداد سوءًا، الحصار يشتد، والموتى في كل مكان… غزة غارقة في عزلة تامة عن العالم”.
من جهته، حاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التخفيف من أثر تأجيل القمة، مؤكدًا أن “الهجمات على إيران يجب ألا تنسينا غزة”، مضيفًا أن تأجيل القمة الفرنسية-السعودية كان لأسباب أمنية فقط، وسيُحدد موعد جديد لها “في أقرب وقت ممكن”.
لكن حتى اللحظة، لا مؤشرات واضحة على عودة الاهتمام الدولي إلى المسار الفلسطيني أو تحريك جهود وقف إطلاق النار في غزة، خاصة في ظل تصاعد التوتر الإقليمي، وعودة منطق “الأولويات الأمنية” إلى واجهة الخطاب الغربي.
رأي منصة “العرب في بريطانيا” (AUK)
وترى “العرب في بريطانيا” أن التحوّل السريع في التركيز الدولي من غزة إلى إيران يعكس خللًا أخلاقيًا خطيرًا في التعاطي مع القضايا الإنسانية، ويطرح تساؤلات مؤلمة حول صدق التزامات المجتمع الدولي تجاه المدنيين الفلسطينيين.
فلقد بدا أن بعض الحكومات الغربية مستعدة لتجاوز المجازر والمجاعة في غزة تحت ذريعة التصعيد الإقليمي، وكأن معاناة الفلسطينيين تُعلّق أو تُؤجل حسب تقلبات المصالح السياسية.
وتؤكد المنصة أن مسؤولية المجتمع الدولي لا تسقط بتغيير العناوين، وأن محاسبة الاحتلال الإسرائيلي على ما يجري في غزة ليس خيارًا سياسيًا، بل واجب قانوني وأخلاقي. إن صمت العالم أمام الحصار والموت الجماعي في غزة لا يمكن أن يُبرَّر، ويجب أن يُواجه بمواقف واضحة لا لبس فيها، تقف إلى جانب الحق والعدالة والإنسانية.
المصدر: الغارديان
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين