تحقيق: النرويج تستثمر في شركات أسلحة بريطانية تزوّد إسرائيل بالسلاح

رغم التزامها المعلن بدعم السلام وحقوق الإنسان، تجد النرويج نفسها في موقف متناقض، إذ يستثمر صندوقها السيادي مليارات الباوندات في كبرى شركات الأسلحة العالمية، ويشمل ذلك شركات بريطانية تسهم في تزويد إسرائيل بالسلاح.
هذا التناقض يثير تساؤلات عن مدى التزام أوسلو بمعاييرها الأخلاقية، ولا سيما بعد اعترافها بدولة فلسطين في مايو 2024، واستبعادها سابقًا شركات من صندوقها الاستثماري بسبب انتهاكاتها للقانون الدولي. فكيف تُبرر النرويج هذه الاستثمارات؟ وما الذي يدفعها إلى تمويل شركات تسليح متورطة في صراعات دامية، رغم موقفها السياسي المعلن؟
استثمارات مثيرة للجدل
يُعَدّ صندوق التقاعد الحكومي العالمي (GPFG)، الذي يديره البنك المركزي النرويجي، أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم، حيث تبلغ قيمته 1.4 تريليون باوند. ومن المفترض أن يلتزم الصندوق بمعايير أخلاقية صارمة، تستبعد الشركات المتورطة في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أو الفساد الكبير، أو إنتاج الأسلحة النووية.
لكن على الرغم من هذه المعايير، يستثمر الصندوق نحو 14 مليار باوند في 50 شركة من أكبر 100 شركة أسلحة عالميًّا، ويشمل ذلك شركات بريطانية تُسهم إسهامًا بارزًا في توريد الأسلحة لإسرائيل.
وتشمل الاستثمارات النرويجية المثيرة للجدل 46 مليون باوند في شركة (QinetiQ) البريطانية، المتخصصة في التكنولوجيا الدفاعية. وقد تعاونت هذه الشركة مع الجيش الإسرائيلي في تطوير منظومة الطائرات المسيرة “ووتشكيبر”، بالشراكة مع شركة “إلبيت سيستمز” الإسرائيلية، التي سبق أن استُبعدت من الصندوق النرويجي في عام 2009؛ بسبب دورها في بناء أنظمة المراقبة لجدار الفصل العنصري في الضفة الغربية.
كما يمتلك الصندوق 35 مليون باوند في شركة (Babcock International)، التي تدّعي أنها لا تزود إسرائيل بالأسلحة، لكنها في الواقع تتعاون مع شركات الدفاع الإسرائيلية الكبرى مثل (IAI) و”إلبيت” و”رافائيل”، ما يجعل الخط الفاصل بين “عدم التورط المباشر” و”الإسهام غير المباشر” غير واضح.
وتُعَدّ (Babcock) لاعبًا رئيسًا في صناعة الدفاع البريطانية، إذ تشرف على صيانة وإدارة أسطول الغواصات البريطاني بالكامل، ويشمل ذلك الغواصات المسلحة نوويًّا من فئة “فانجارد”.
استثمارات ضخمة في “رولز رويس” و”ليوناردو”
لكن أكبر استثمار نرويجي في قطاع الدفاع البريطاني يتمثل في شركة “رولز رويس”، حيث يمتلك الصندوق حصة تفوق 1.07 مليار باوند، ما يعادل أكثر من 2 في المئة من أسهم الشركة. ورغم أن “رولز رويس” معروفة عالميًّا بصناعة السيارات الفاخرة، فإن دورها في الصناعات الدفاعية حيوي، وبخاصة في برنامج المقاتلات (F-35)، التي تعتمد عليها إسرائيل في عملياتها العسكرية.
كما أن الشركة التابعة لرولز رويس في ألمانيا (MTU) تصنع محركات دبابات “ميركافا” الإسرائيلية، ومعظم القطع البحرية في سلاح البحرية الإسرائيلي.
أما شركة “ليوناردو” الإيطالية البريطانية، فهي تمثل أحد أكثر الاستثمارات إثارة للجدل، حيث يمتلك الصندوق النرويجي فيها حصة بقيمة 165 مليون باوند. وتُسهِم “ليوناردو” إسهامًا كبيرًا في دعم الصناعات العسكرية الإسرائيلية، إذ تزودها بمدافع بحرية لسفن “ساعر 6″، التي تُستخدم في قصف غزة وحصارها. كما تسهم في برنامج المقاتلة (F-35).
ازدواجية المعايير أم استثمار بارد؟
ورغم الفضائح العديدة التي لاحقت “ليوناردو”، ويشمل ذلك فضائح رشاوى في إندونيسيا والهند، فإن مجلس الأخلاق النرويجي قرّر في عام 2022 رفعها من قائمة المراقبة، بذريعة أن خطر الفساد لم يعد “غير مقبول”.
لكن الشركة لا تزال تواجه اتهامات بتزويد المجلس العسكري في ميانمار بالسلاح، في انتهاك لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة. كما تسهم في إنتاج الأسلحة النووية من خلال شراكتها مع (MBDA)، التي تضم (BAE Systems) و”إيرباص”.
وهكذا يجد الصندوق النرويجي نفسه متورطًا في تمويل شركات تسليح تسهم في استمرار النزاعات، ودعم الاحتلال وتحقيق أرباح على حساب معاناة البشر. فهل يمكن اعتبار هذه الاستثمارات مجرد قرارات مالية، أم أنها تمثل إخفاقًا أخلاقيًّا يتناقض مع المبادئ التي تُروّج لها النرويج عالميًّا؟
هل تتجه النرويج نحو تصحيح المسار؟
ورغم أن النرويج سبق أن استبعدت شركة (BAE Systems) البريطانية من صندوقها الاستثماري في عام 2018 بسبب تورطها في إنتاج الأسلحة النووية، فإن استمرار استثماراتها في شركات مثل “ليوناردو” و”رولز رويس” يطرح تساؤلات عن مدى جدية معاييرها الأخلاقية.
على النرويج أن تتخذ موقفًا حاسمًا؛ فاستمرار هذه الاستثمارات يقوّض مصداقيتها كدولة تدعي دعم السلام وحقوق الإنسان. إن سحب الاستثمارات من شركات السلاح البريطانية التي تزود إسرائيل بالأسلحة سيكون بمثابة رسالة واضحة مفادها: أن حقوق الإنسان ليست للمساومة، وأن الأرباح يجب ألا تكون على حساب الأرواح.
المصدر: Declassified UK
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇