كشفت بيانات رسمية صادرة عن وزارة الداخلية البريطانية أن عدد طالبي اللجوء في المملكة المتحدة خلال عام 2024 بلغ أعلى مستوى له منذ بدء تسجيل البيانات في عام 1979.
وأظهرت الإحصاءات المنشورة يوم الخميس أن 108,138 شخصًا تقدموا بطلبات لجوء خلال العام المنتهي في ديسمبر 2024، ما يمثل زيادة بنسبة 18% مقارنة بعام 2023، ويعادل تقريبًا ضعف العدد المسجل في عام 2021. وأشارت وزارة الداخلية إلى أن آخر ذروة مسجلة كانت في عام 2002.
وتأتي هذه الزيادة وسط تصاعد في أعداد الواصلين عبر القوارب الصغيرة خلال السنوات الأخيرة. فقد ارتفع عدد هؤلاء الواصلين بنسبة 25% مقارنة بعام 2023، لكنه ظل أقل بنسبة 20% مما كان عليه في عام 2022.
تحديات أمام الحكومة الجديدة
تُعد المملكة المتحدة خامس أكبر دولة مستقبلة لطالبي اللجوء ضمن منطقة “الاتحاد الأوروبي زائد”، في وقت تواجه فيه الحكومة ضغوطًا متزايدة لتقليص تراكم طلبات اللجوء العالقة. وعلى الرغم من أن عدد القضايا التي تنتظر البت الأولي انخفض بنسبة 5% خلال العام الماضي، إلا أنه لا يزال مرتفعًا مقارنة بالفترة التي سبقت عام 2022، حيث بلغ عدد القضايا العالقة أكثر من 90,600 قضية، تشمل حوالي 124,800 شخصًا حتى نهاية 2024.
كما ارتفع عدد الأشخاص الذين جرى احتجازهم في مراكز الهجرة بنسبة 12% خلال العام الماضي، فيما أُعيد 2,251 شخصًا إلى دول أخرى بعد دخولهم البلاد عبر القوارب الصغيرة، ما يمثل زيادة بنسبة 10% مقارنة بعام 2023.
شهد عام 2024 ارتفاعًا حادًا في أعداد الحاصلين على الجنسية البريطانية، حيث تجاوز العدد 269,600 شخص. وفي هذا السياق، أصدرت الحكومة إرشادات جديدة لموظفي التأشيرات والهجرة، تنص على رفض منح الجنسية لأي شخص دخل البلاد بطريقة غير قانونية أو عبر رحلات خطرة. وقد لاقت هذه السياسة انتقادات من مجلس اللاجئين وبعض نواب حزب العمال.
جدل سياسي حول سياسات اللجوء والهجرة
أكد المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء أن “لا حلول سريعة” لمشكلة الهجرة غير النظامية التي وصفها بأنها “تحدٍ عالمي”، لكنه شدد على أن الحكومة لديها “خطة طويلة الأمد لاستعادة النظام في نظام اللجوء”.
من جانبها، انتقدت وزيرة الأمن الحدودي واللجوء، أنجيلا إيغل، الحكومة السابقة متهمة إياها بأنها “تركت نظام اللجوء في حالة انهيار”، وأكدت أن حزب العمال ورث “تراكمًا ضخمًا” في طلبات اللجوء. وأضافت: “بدأنا في إعادة تنظيم النظام، لكن الأمر سيستغرق وقتًا لضبطه وجعله أكثر كفاءة”.
أما وزير الداخلية في حكومة الظل، كريس فيلب، فقد وصف الأرقام بأنها “ليست مفاجئة”، محمّلًا حزب العمال المسؤولية عن ارتفاع أعداد طالبي اللجوء، ومعتبرًا أن سياسات الحكومة الحالية “لا توفر رادعًا كافيًا”.
دعوات لزيادة المسارات الآمنة
دعت منظمة الصليب الأحمر البريطاني الحكومة إلى توفير “مسارات آمنة أكثر” لمنع اللاجئين من خوض رحلات خطيرة للوصول إلى المملكة المتحدة. وقالت مبين بوتا، مديرة السياسات والأبحاث في المنظمة: “وراء هذه الأرقام أشخاص حقيقيون—رجال ونساء وأطفال اضطروا إلى الفرار من منازلهم”، مؤكدة أن “الغالبية العظمى منهم لا يملكون وسيلة أخرى لطلب اللجوء في المملكة المتحدة دون أن يكونوا بالفعل داخل البلاد”.
لا تزال الحكومة تستخدم الفنادق لإيواء طالبي اللجوء، إذ بلغ عددهم فيها أكثر من 38,000 شخص حتى نهاية ديسمبر 2024، رغم أن هذا الرقم أقل من الذروة المسجلة في سبتمبر 2023، والتي بلغت 56,000 شخص. وتعهدت الحكومة بإنهاء هذه الممارسة بحلول نهاية الدورة البرلمانية الحالية.
في سياق متصل، شهدت الهجرة النظامية إلى المملكة المتحدة تغيرات كبيرة، حيث انخفض عدد تأشيرات العمل والدراسة، والتي تشكل الغالبية العظمى من تصاريح الإقامة، في أعقاب إجراءات تقليص الهجرة التي تبنتها الحكومة السابقة. فقد تراجعت تأشيرات العمل بنحو 250,000 تأشيرة خلال عام 2024، ما يعكس انخفاضًا في عدد العمال القادمين وكذلك في عدد أفراد عائلاتهم المرافقين لهم.
وكان قطاع الرعاية الصحية والاجتماعية الأكثر تأثرًا، حيث أدت القيود المفروضة أواخر عام 2023 إلى انخفاض ملحوظ في أعداد المهاجرين عبر هذا المسار، بعدما كانت الحكومة السابقة قد استحدثت تأشيرة خاصة لجذب العاملين إلى هذا المجال.
استمرار سياسة تشديد الهجرة
في سبتمبر 2024، أعلنت حكومة حزب العمال عن تدابير إضافية، من بينها تشديد قواعد كفالة العمال المهاجرين. ومن المتوقع أن تُطرح ورقة بيضاء خلال العام الجاري تحدد خطط الحكومة لتقليص الهجرة النظامية.
علق د. بن بريندل، الباحث في مرصد الهجرة بجامعة أكسفورد، على هذه التغيرات قائلًا: “شهدت بعض فئات التأشيرات تقلبات حادة بين الارتفاع والانخفاض خلال السنوات الأخيرة”، مشيرًا إلى أن “التراجع الكبير في منح التأشيرات كان ممكنًا فقط لأن أعدادها كانت مرتفعة جدًا في ظل نظام الهجرة ما بعد البريكست”. ومع ذلك، أوضح أن “إجمالي التأشيرات الممنوحة لمواطني الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لا يزال أعلى بكثير مما كان عليه قبل خروج بريطانيا من الاتحاد”.