العرب في بريطانيا | قراءة تاريخية: كيف مكّنت بريطانيا الصهاينة من ا...

1446 ذو الحجة 5 | 02 يونيو 2025

قراءة تاريخية: كيف مكّنت بريطانيا الصهاينة من استعمار فلسطين؟

قراءة تاريخية: كيف مكّنت بريطانيا الصهاينة من استعمار فلسطين؟
رجاء شعباني February 10, 2025

مع نهاية الحرب العالمية الأولى وانتصار الحلفاء، انهارت الإمبراطورية العثمانية، لتبدأ بريطانيا باحتلال فلسطين وفرض سيطرتها عليها حتى عام 1948. هذا الاحتلال لم يكن مجرد حادث تاريخي عابر، بل كان مخططًا دوليًّا أقرت به عصبة الأمم، التي أُنشِئت حديثًا لتقسيم الأراضي العثمانية السابقة إلى ما سُمّي بـ”الانتدابات”. وفي عام 1922، مُنحت بريطانيا فلسطين ضمن هذه الانتدابات، على الرغم من أن الاحتلال البريطاني لم يكن محايدًا.

فعلى مدار سنوات الحكم البريطاني، عملت السلطات على حرمان الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية، ويشمل ذلك تقرير المصير. لم تقتصر السياسة البريطانية على القمع العسكري، بل تجاوزت ذلك إلى دعم مشروع إقامة “وطن قومي لليهود” في فلسطين، وهو ما جاء واضحًا في إعلان بلفور الشهير لعام 1917، الذي وعد فيه وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور بدعم تأسيس دولة يهودية على أرض فلسطين. ورغم تأكيد الإعلان أنه “لن يُؤتى بأي عمل من شأنه الإضرار بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية”، فقد كانت النتيجة الفعلية أن فلسطين أُعطيت للمستوطنين اليهود على حساب السكان العرب الأصليين.

وفي هذا السياق بيّنت الباحثة القانونية الفلسطينية نورا عريقات أن القوى الأوروبية، ويشمل ذلك بريطانيا، نظرت إلى الانتداب بوصفه وسيلة لاستمرار السيطرة على المناطق التي احتلتها، من خلال تجميل هذه السياسات بغطاء قانوني زائف يُسمى “الانتداب”. وفي فلسطين، كان الانتداب البريطاني بمثابة أساس لتأسيس دولة يهودية في المستقبل، كما أشار المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، الذي وصف إعلان بلفور بـ”التجاهل التام لوجود الأغلبية الأصلية ورغباتها”.

دعم بريطاني متواصل للمشروع الصهيوني

موظفون في BBC يرتدون الكوفية الفلسطينية دعمًا للقضية
وقف موظفين عن العمل بسبب دعمهم لمظاهرات مؤيدة لفلسطين

تعد سياسات بريطانيا تجاه فلسطين خلال فترة الانتداب فترة محورية في دعم الحركة الصهيونية. فقد أدركت الحركة الصهيونية أهمية الدعم البريطاني في تحقيق أهدافها، ونجحت في الضغط على الحكومة البريطانية، عبر قادتها مثل حاييم وايزمان، لتضمين النص الكامل لإعلان بلفور في شروط الانتداب. هذه الخطوة جعلت الحكومات البريطانية المتعاقبة ملزمة بتنفيذ هذا الوعد، وهو ما أكدته محادثات خاصة جرت بين وايزمان ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد لويد جورج، ووزير المستعمرات ونستون تشرشل عام 1922. في هذا اللقاء، أشار لويد جورج إلى أن مصطلح “وطن قومي يهودي” كان يعني في النهاية إقامة دولة يهودية في فلسطين.

وإلى جانب ذلك، كانت بريطانيا ترفض أي تمثيل سياسي عربي، حيث كان شرط الانتداب يتطلب من الفلسطينيين قبول إعلان بلفور الذي يعدهم “بالإذعان” لمشروع الدولة اليهودية. وفي هذا السياق، يرى المؤرخ الفلسطيني رشيد الخالدي أن الانتداب البريطاني كان “هدية استثنائية” للحركة الصهيونية، حيث كانت كل المواد التي تضمنها الانتداب منحازة لليهود وحقوقهم السياسية، في حين أغفلت حقوق الفلسطينيين بالكامل.

انتداب بريطاني تمييزي

أنشطة عطلة نهاية الأسبوع في بريطانيا خلال 31 أغسطس - 1 سبتمبر 2024

كان الانتداب البريطاني في فلسطين يشمل مواد تميز بين اليهود والفلسطينيين بطريقة صارخة. ففي حين نصّت المواد على حقوق سياسية واقتصادية لمصلحة اليهود، كان الفلسطينيون يُستبعدون من أي تمثيل سياسي. على سبيل المثال: نصّت المادة الثانية من الانتداب على تشكيل مؤسسات حكم ذاتي لليهود، كما مُنحت الوكالة اليهودية سلطات شبه حكومية في عدة مجالات.

كذلك خُصِّصت المادة السادسة من الانتداب لتسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ما أسهم في زيادة عدد اليهود كثيرًا. وبدلًا من حماية حقوق الفلسطينيين، سمحت بريطانيا بتسهيل الاستيطان اليهودي وتوفير الدعم المالي والعسكري له. وكانت سياسة بريطانيا تسعى إلى تأمين مستقبل الصهيونية في فلسطين على حساب السكان العرب الأصليين.

الاستعمار البريطاني في فلسطين

داعمو فلسطين ينتصرون على مصنع كبير للأسلحة الإسرائيلية في برايتون

في سياق حكمها لفلسطين، عملت بريطانيا على دعم الحركة الصهيونية بطريقة غير مباشرة من خلال تعيين عدد من المفوضين الساميين، كان أولهم هربرت صامويل في عام 1920. صامويل كان من أبرز المؤيدين للصهيونية، وقد عمل على تسهيل الاستيطان اليهودي في فلسطين من خلال تشريعات تدعم شراء الأراضي وتأسيس المستعمرات. هذا الدعم المباشر من بريطانيا أسهم في إنشاء بنية تحتية صهيونية قوية كانت تسعى إلى تعزيز وجودها في فلسطين.

وقد تجسدت سياسة صامويل في العديد من الإجراءات التي أسهمت في توسع الاستيطان اليهودي، حيث عمد إلى تخصيص الأراضي الفلسطينية للمستوطنين اليهود، ومنحهم الامتيازات الاقتصادية والسياسية. كما سارع إلى تعيين صهاينة في المناصب الحكومية الحساسة، وهو ما أدى إلى تعزيز النفوذ الصهيوني في فلسطين.

مكافحة الحركات الفلسطينية

أنشطة عطلة نهاية الأسبوع في بريطانيا خلال 31 أغسطس - 1 سبتمبر 2024

منذ بداية الاحتلال البريطاني، واجه الفلسطينيون صعوبات كبيرة في تنظيم أنفسهم سياسيًّا ومقاومة الاحتلال. فقد فُرضت قيود شديدة على النشاط السياسي الفلسطيني، حيث حُظر نشر أخبار وعد بلفور في الصحف الفلسطينية، ولم يكن بمقدور الفلسطينيين التعبير عن احتجاجاتهم ضد السياسات البريطانية إلا في أوقات محدودة.

ورغم هذه القيود، بدأ الفلسطينيون بتنظيم أنفسهم سياسيًّا من خلال عقد مؤتمرات عربية فلسطينية، حيث طالبوا بالاستقلال ورفض وعد بلفور، إلا أن بريطانيا استمرت في تجاهل مطالبهم. وعوضًا عن الاستجابة لهذه المطالب، عمدت بريطانيا إلى سياسة “فرِّق تسد”، كما فعلت في مستعمرات أخرى، فأنشأت المجلس الإسلامي الأعلى وأعطت تمثيلًا محدودًا لبعض الشخصيات الفلسطينية.

قمع الانتفاضات الفلسطينية

أنشطة في بريطانيا خلال يومي 18-19 مايو 2024
علم فلسطين (Unsplash)

تزايدت الاحتجاجات الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني في العشرينيات والثلاثينيات، إذ شهدت المدن الفلسطينية مثل القدس ويافا وحيفا موجات من الاضطرابات الشعبية. وقد قوبلت هذه الاحتجاجات بعنف شديد من القوات البريطانية، حيث استخدمت القوة العسكرية والاعتقالات الجماعية لقمع الانتفاضات.

وفي عام 1936، انفجرت الثورة الكبرى في فلسطين، وهي واحدة من أوسع موجات المقاومة ضد الاستعمار البريطاني والتهديد الصهيوني. وقد استمر القمع البريطاني للثورة، ما أدى إلى تصاعد الشعور بالظلم لدى الفلسطينيين، وعمّق الهوة بين الفلسطينيين والحكومة البريطانية.

 

النص من كتابة A. Bustos، المدير المساعد في “بالستين ديب دايف”، الذي يحمل درجة الماجستير في دراسات الشرق الأدنى والشرق الأوسط من جامعة سواس في لندن.

 

المصدر ديكلاسيفايد يو كي 


إقرأ أيّضا

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
12:18 pm, Jun 2, 2025
temperature icon 19°C
clear sky
Humidity 45 %
Pressure 1017 mb
Wind 9 mph
Wind Gust Wind Gust: 0 mph
Clouds Clouds: 1%
Visibility Visibility: 10 km
Sunrise Sunrise: 4:48 am
Sunset Sunset: 9:09 pm