العرب في بريطانيا | النكبة خطوة مدروسة في أجندة الصهاينة لمحو الفلس...

1445 رمضان 18 | 28 مارس 2024

النكبة خطوة مدروسة في أجندة الصهاينة لمحو الفلسطينيين ونزعهم من أرضهم

النكبة
إسماعيل باتيل May 12, 2023

لم تكن النكبة عبارة عن حدث جرى بين عامي 1947 و1948 فقط، بل كانت خطوة مدروسة في طور النشأة لعشرات السنين قبلها، ولا تزال تتقدم وتتطور.

على غرار جميع مشاريع الاستعمار الاستيطانية، فإن النكبة هي نسخة صهيونية لطرد المواطنين الفلسطينيين من أرضهم الأم، والاستيلاء على ممتلكاتهم وطمس تراثهم. فقد كانت الصهيونية طوال تاريخها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالفكر الاستعماري، الذي يخول لمُعتَنقيه السيطرة على صاحب الحق الأضعف منهم.

أضاف الصهاينة إلى فكر الحضارة الاستعماري، الذي يقضي بعودة أصحاب الأرض “الأصليين” إلى ديارهم بعد أن تحضروا، مبدأ جديدًا يخدم مآربهم الخاصة، فنُكِّست الصورة الحقيقية ليصبح المستوطنون هم السكان الأصليين ويغدو أهل الديار المقيمون في أرضهم أجانبَ!

people gathered near pole
النكبة خطوة مدروسة في أجندة الصهاينة لمحو الفلسطينيين (آنسبلاش)

وجود اليهود في فلسطين كان منذ القدم، ولم تتعدَّ هجرة اليهود إلى فلسطين المعروفة بـ”عليا” أو هجرة اليهود إلى أرض الميعاد كونها هجرة فقط. وقد استقر اليهود الفارون من الاضطهاد في أوروبا أو الفارون لأسباب دينية في فلسطين؛ ليكونوا جزءًا من مجتمع فلسطيني أكبر. وحتى اليوم، تعرّف ناطوري كارتا (حركة يهودية حريدية ترفض الصهيونية بكل أشكالها، وتعارض وجود دولة إسرائيل) المتدينين أنفسهم بأنهم يهود فلسطينيون، ليشتعل العداء مع الفلسطينيين عندما قوضت العقيدة الصهيونية إمكانية التعايش مع الفلسطينيين لمصلحة إنشاء مستعمرة يهودية فقط في فلسطين.

النكبة: مخطط لطمس وجود الفلسطينيين!

aerial view of city buildings during daytime
النكبة خطوة مدروسة في أجندة الصهاينة لمحو الفلسطينيين (آنسبلاش)

خرجت المستعمرة الاستيطانية الصهيونية إلى النور بفضل بريطانيا عن طريق “وعد بلفور” في عام 1917، عندما عرضت بريطانيا فلسطين على الصهاينة الأوروبيين، دون أن تكون قد استعمرت فلسطين أو يكون لها أي حق من الحقوق فيها في ذلك الوقت. وكان وعد بلفور مجرد طلقة افتتاحية مدعومة بثلاث استراتيجيات طُبِّقت بمجرد أن احتلت بريطانيا فلسطين. تمثلت الاستراتيجية الأولى في منع اليهود من دخول بريطانيا. وحتى بعد صعود النازيين، تفاخر البريطانيون بقبول 80 ألف يهودي، لكنهم تجاهلوا ذكر أن أكثر من ثلاثة أرباع مليون يهودي مُنعوا من الدخول.

في حين كانت الاستراتيجية الثانية سن قانون الأراضي للمستعمر البريطاني الذي فضَّل الصهاينة، والذي ظهر بموجبه ما يُسمى حيازة الصندوق القومي اليهودي للأرض مع الحد من حيازة الممتلكات الفلسطينية. وأخيرًا، فضلت بريطانيا القوة الاقتصادية والعسكرية للصهاينة. وبحلول سبتمبر عام 1944، ساعدت بريطانيا في إنشاء لواء يهودي، قوامه 30 ألف جندي دربتهم وفق معايير عسكرية عالية.

ومع ذلك، لم تكن المساعدة البريطانية لليهود نقطة تحول ديموغرافية وسياسية محورية. فبحلول الحرب العالمية الثانية، تمكَّن الصهاينة من زيادة عدد السكان اليهود في فلسطين إلى زُهاء ثلاثين في المئة فقط، وامتلكوا أقل من خمسة في المئة من الأراضي. وفي هذا السياق، تُعَد الهولوكوست لحظة فارقة ليهود أوروبا للنظر في الخيار الصهيوني. ومرة أخرى، فرضت بريطانيا على الفلسطينيين التنازل عن حق تقرير المصير السياسي على أرضهم التاريخية للاجئين اليهود القادمين من أوروبا بمنطق استعماري، يفسح المجال للمستوطن الأوروبي على حساب صاحب الأرض حتى لو كان المستوطن لاجئًا!

كان ضغط البريطانيين الأخير الذي ولَّد إسرائيل هو إسناد أمر الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة المُؤسَّسَة حديثًا.

blue and white flag on pole
النكبة خطوة مدروسة في أجندة الصهاينة لمحو الفلسطينيين (آنسبلاش)

ودون استشارة الفلسطينيين، أصدرت الأمم المتحدة مرسومًا بأغلبية ثلاثة أصوات يمنح 55 في المئة من مساحة فلسطين للصهاينة؛ لإنشاء دولة يهودية بينما لم يكن عدد اليهود حينذاك يتجاوز سبعة وثلاثين في المئة من إجمالي السكان، الذين لا يملكون سوى سبعة في المئة من الأرض! كانت هدية الأمم المتحدة هذه معضلة بالنسبة إلى الصهاينة؛ فكيف يمكن لأقلية يهودية بأقل الأراضي أن تطالب بـ”تأسيس الدولة اليهودية وتكتسب الشرعية السياسية للدولية الحصرية؟!

كلفت معالجة هذه المشكلة الفلسطينيين الكثير، فحدث بعد النكبة أن دُمِّر أكثر من 500 بلدة وقرية فلسطينية عن طريق الخطأ أو العمد، ما أسفر عن انخفاض عدد السكان الأصليين بنسبة 75 في المئة مع دخول 750 ألف لاجئ يهودي. وبعد التطهير العرقي في عام 1948، أُعلن قيام إسرائيل رسميًّا على ثمانية وسبعين في المئة من مساحة فلسطين أثناء الانتداب البريطاني. ولم يُسمَح قطُّ لمعظم الفلسطينيين المطرودين من أراضيهم بالعودة إليها.

أضف إلى ذلك أن الدولة الصهيونية صادرت ممتلكاتهم وأصولهم، ووضعتها تحت خدمة الاستعمار الاستيطاني. ومع ذلك، فإن هؤلاء الفلسطينيين القلائل الذين تمكنوا من العودة أصبحوا “غائبين” عن أراضيهم وممتلكاتهم التي استولت عليها إسرائيل. وفي المجموع، بقي زهاء 150 ألف فلسطيني في المناطق المستعمرة. ولتعزيز توطين اليهود، لم يكن نفي الفلسطينيين كافيًا، ففي عام 1950 سُنّ قانون العودة، الذي يمنح اليهود من جميع أنحاء العالم حقوقًا حصرية للحصول على الجنسية الإسرائيلية والاستقرار في أي مكان داخل المناطق المستعمرة. بمجرد وصولهم إلى فلسطين المحتلة.

people holding white and orange signage during daytime
النكبة خطوة مدروسة في أجندة الصهاينة لمحو الفلسطينيين (آنسبلاش)

هذا وقد قُوّضت حقوق الفلسطينيين في جميع مجالات الحياة: التعليم وامتلاك الأرض والزواج والسفر والسكن وغيرها. فكان اليهودي خاضعًا للقانون المدني، في حين يخضع المواطن الفلسطيني للدوائر الحكومية الخاصة والجيش بنفس الطريقة التي كان يمارس بها المستوطن الأوروبي الأبيض في أمريكا الشمالية والجنوبية حقوقه، حيث أصبح السكان الأصليون الهدف التالي بعد احتلال الأرض.

بعد عام 1967 ولتعزيز أهدافها الاستعمارية، احتلت إسرائيل ما تبقى من فلسطين التاريخية، ما تسبب في نزوح 350 ألف لاجئ آخرين، مسيطرة بذلك على مليون فلسطيني. وعلى ضوء ذلك قال مناحيم بيغن، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق: “لقد سنحت لنا الفرصة مرة أخرى في حَزيران/يونيو 1967؛ فتمركز الجيش المصري بالقرب من سيناء لا يُثبت أن جمال عبد الناصر كان على وشك مهاجمتنا ما جعلنا نقرر مهاجمته”.

وبينما كانت معاناة سكان أمريكا الأصليين في القرن التاسع عشر على أشُدِّها حيث نُقِلوا من أراضيهم إلى محميات وعُزِل كل مجتمع عن نظيره مع الاستيلاء على معظم الأراضي في حين تدير الحكومة الباقي، توسع المشروع الاستعماري الاستيطاني للصهاينة، ليشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية مع أكثر من 300 مستعمرة يهودية احتلها 700 ألف مستوطن. وقد شُدّد الخناق حول الفلسطينيين أكثر فأكثر، من خلال الجدار الذي يبلغ طوله 700 كيلومتر، وأكثر من 65 قانونًا تمييزيًّا ونحو 600 نقطة تفتيش وطرق فصل عنصري، ما يعزل الفلسطينيين عن محيطهم ويُجرّدهم من هُويتهم.

هذا وقد فرضت إسرائيل على غزة حصارًا بريًّا وبحريًّا وجويًّا، حتى صارت تتحكم بمقدار الطعام الذي يدخل القطاع!

وبهذا الشأن أوضح دوف ويسجلاس، كبير مستشاري رئيس الوزراء إيهود أولمرت، في عام 2016 أن السياسة الإسرائيلية تستهدف التضييق على الفلسطينيين في مسألة الغذاء، ولكن ليس لدرجة إماتتهم من الجوع. أضف إلى ذلك أن الفلسطينيين تعرضوا لأعمال عنف شرسة مارسها الجيش الإسرائيلي والمستوطنون عليهم، فهناك: عقاب جماعي، وسجن جماعي، وشرطة لا ترحم من يتظاهرون ضد الاحتلال. وحتى سياسة “الاحتجاز قبل المحاكمة” المفضلة لدى الاستعمار البريطاني والتي طبقها ضد انتفاضة ماو ماو في كينيا لها نسختها الخاصة عند قوات الاحتلال مع مصطلح “الاعتقال الإداري” الجديد، مثلما يحدث مع كريم يوسف الذي قضى حتى الآن 40 عامًا في أحد السجون الإسرائيلية دون محاكمة.

concrete buildings at daytime
النكبة خطوة مدروسة في أجندة الصهاينة لمحو الفلسطينيين (آنسبلاش)

أجَلْ، يُسمح للفلسطينيين في إسرائيل بالتصويت وحتى الترشح للبرلمان، ولكن ذلك يحدث في حالة قبولهم بكون إسرائيل دولة استعمارية استيطانية يهودية وعدم تشكيكهم بذلك فقط. لقد ذهبت إسرائيل الآن إلى أبعد مما حدث مع أي مستعمرة أوروبية تتخلى عن السكان الأصليين بالتخلي عن التظاهر بالديمقراطية والإنصاف. في عام 2018، سنت إسرائيل قانون الدولة القومية، الذي ينص على أن “الحق في تقرير المصير الوطني” في إسرائيل “خاص بالشعب اليهودي” فقط. وأصبح الاستيطان اليهودي “قيمة وطنية”، ما يستبعد غير اليهود من الدولة الإسرائيلية، إضافة إلى إعلان الحق في توسيع المستوطنات في مناطق 1967. وبموجب هذه القوانين ينبغي لغير اليهود قبول أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية أو أن يُطردوا ويُقتلوا!

وفي إطار الانتداب على فلسطين، شهدت السنوات الـ75 الماضية تطور النكبة. وكان عام 1948 منعطفًا تاريخيًّا أدى إلى تفكيك القوى الاستعمارية الأوروبية. ولكن النكبة وما تحمله من سرقة الأراضي، والطرد القسري، وهدم المنازل، والمذابح، والتطهير العرقي، والفصل العنصري، تعلن أن إسرائيل وَرِثت الاستعمار الاستيطاني الأوروبي، فما يكمن في المستعمر الاستيطاني الأوروبي الأكثر تعصبًا يتجلى الآن في النكبة التي تقودها إسرائيل.

المصدر: Critical Muslim Studies


اقرأ أيضًا:

الدعوة لمظاهرة كبرى بذكرى النكبة وسط لندن في 14 مايو

حرج في كامبردج بعد حذف كلمة “احتلال” عن وصف إسرائيل بندوة حوارية

دعوات لحضور فيلم الطنطورة المثير للجدل في البافتا

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.