لماذا يسعى رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير لحكم غزة؟

في الأيام الأخيرة، عاد اسم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير إلى واجهة النقاش الدولي، وهذه المرة ليس بصفته وسيطًا أو مبعوثًا خاصًا، بل مرشّحًا لقيادة سلطة انتقالية دولية في قطاع غزة. مقترحٌ مثير للجدل يرى فيه البعض “مخرجًا مؤقتًا من المأزق الراهن”، بينما يعتبره كثيرون إعادة إنتاج لهيمنة استعمارية قديمة، خاصة وأنه يضع سياسيًا بريطانيًا على رأس أرض فلسطينية جريحة.
ما جوهر الخطة المطروحة؟
تقوم الفكرة، كما تداولتها تقارير غربية، على تشكيل “السلطة الانتقالية الدولية في غزة (GITA)” لمدة تصل إلى خمس سنوات، تكون بمثابة المرجعية السياسية والقانونية العليا في القطاع. وتشمل مهامها إدارة الشؤون الإدارية والأمنية والقضائية، إلى جانب الإشراف على إعادة الإعمار بدعم قوة استقرار متعددة الجنسيات، يُفترض أن تقودها دول عربية.
وتتزامن هذه الخطة مع مساعٍ أمريكية أوسع تضمنتها وثيقة من 21 نقطة، تطرح وقف إطلاق النار وانسحابًا مرحليًا للجيش الإسرائيلي، ونزعًا تدريجيًا لسلاح حماس، على أن تُدار غزة عبر إدارة انتقالية “بقيادة فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين”، ثم تُسلم السلطة إلى السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها.
في هذا السياق، طُرح اسم توني بلير ليكون رئيسًا أو مشرفًا على هذه الإدارة، بحجة تمتّعه بعلاقات واسعة مع واشنطن وتل أبيب والعواصم العربية، إضافة إلى خبرته السابقة كمبعوث للجنة الرباعية الدولية.
حجج المؤيدين: لماذا بلير؟
- شبكة علاقات واسعة: بلير يُعد شخصية مألوفة في العواصم الكبرى، ويُعتقد أنه قادر على جمع المانحين وضبط الإيقاع السياسي والدبلوماسي.
- مرحلة مؤقتة لا وصاية دائمة: المدافعون عن الخطة يشبّهونها بتجارب كوسوفو وتيمور الشرقية، مؤكدين أنها ستكون محددة زمنيًا وبتفويض أممي، تنتهي بتسليم السلطة للفلسطينيين.
- مراجعة المواقف السابقة: بلير نفسه أقرّ لاحقًا في مقابلة مع ميدل إيست آي بأن مقاطعة حماس بعد فوزها في انتخابات 2006 كان خطأً استراتيجيًا، في إشارة إلى استعداده لمراجعة بعض سياساته.
الانتقادات: “استعمار بلباس جديد”
لكن الخطة واجهت سيلاً من الاعتراضات:
- غياب الفلسطينيين: ناشطون فلسطينيون وصفوا المقترح بأنه نهج استعماري يهمّش أصحاب القضية. قال الناشط عبي العبودي في تصريح لصحيفة الغارديان: “لا يوجد فلسطيني واحد على الطاولة… هذا محوٌ للوكالة الفلسطينية”.
- إرث العراق: يذكّر معارضون بأن اسم بلير لا يزال مرتبطًا بغزو العراق عام 2003.
- فشل مبعوث الرباعية: وصفت المفاوضة الفلسطينية السابقة حنان عشراوي في حديثها إلى الغارديان عام 2015 دور بلير بأنه كان “جزئيًا جدًا” و“بلا فائدة”، مؤكدة أن الفلسطينيين اعتبروا جهوده غير ذات جدوى.
- إشكالية الشرعية الدولية: نقلت الجزيرة عن خبراء في القانون الدولي تحذيرًا بأن أي سلطة خارجية تُفرض من دون موافقة الفلسطينيين وقرار أممي واضح، ستُعتبر امتدادًا للاحتلال القائم.
- تحفظ عربي وأوروبي: شددت دول عربية وأوروبية على أن الحل لا بد أن ينتهي بقيام دولة فلسطينية مستقلة، ورفضت سيناريوهات “التهجير” أو “التصفية” التي طُرحت في وقت سابق.
- شبهات التمويل والمصالح: صحيفة الغارديان أشارت إلى توسع مؤسسة بلير بتمويلات ضخمة من رجال أعمال خليجيين وغربيين، ما أثار شكوكًا بشأن استقلالية قراراته.
ما البدائل المطروحة؟
في موازاة خطة بلير، تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة مقترحًا آخر عُرف بـ “إعلان نيويورك”، يقضي بإنشاء إدارة تكنوقراطية انتقالية في غزة لمدة عام واحد فقط، تُسلَّم بعدها السلطة إلى سلطة فلسطينية معاد إصلاحها، مع التعهد بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة.
وفي جلسة الأمم المتحدة الأخيرة، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس استعداده للتعاون مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والسعودية، وفرنسا، والأمم المتحدة، في إطار خطة سلام لقطاع غزة حظيت بتأييد واسع من المجتمع الدولي.
الوثيقة التي أقرتها الجمعية العامة (المؤلفة من 193 عضوًا) هدفت إلى إعادة التأكيد على حل الدولتين بوصفه السبيل لإنهاء الحرب.
رمزية بريطاني على رأس غزة
حتى لو قُدمت الخطة على أنها مرحلة انتقالية، فإن رمزية وضع سياسي بريطاني على رأس غزة تُعيد للأذهان حقبة الانتداب البريطاني ووعد بلفور. ويرى كثيرون أن أي إدارة خارجية من هذا النوع لن تُقنع الفلسطينيين ما لم تكن بقرارهم وبمسار واضح يقود نحو الاستقلال.
عقبات كبرى أمام التنفيذ
- السياسة الإسرائيلية: حكومة نتنياهو ترفض أصلًا قيام دولة فلسطينية، ما يجعل أي انسحاب إسرائيلي كامل أمرًا بعيد المنال.
- القبول الفلسطيني: السلطة الفلسطينية تعتبر نفسها صاحبة التفويض الشرعي وحدها، بينما يبقى القبول الشعبي بأي دور لبلير موضع شك.
- التفويض الأممي: يتطلب الأمر قرارًا من مجلس الأمن وقوة استقرار دولية–عربية بتفويض وصلاحيات واضحة.
- إعادة الإعمار: حجم الدمار الهائل الذي رصدته تقارير الأونروا يجعل إعادة البناء مهمة تفوق قدرة أي إدارة انتقالية محدودة.
تسعى واشنطن وحلفاؤها إلى إيجاد صيغة انتقالية “تكسر الجمود السياسي وتفتح الطريق لإعادة إعمار غزة”، لكن نجاح الخطة مشروط بوضوح: تفويض أممي صريح، موافقة فلسطينية شاملة، تحديد زمني صارم، وربطها بمسار يقود إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة. من دون ذلك، فإن أي سلطة يقودها توني بلير ستُعتبر بالنسبة للفلسطينيين والعالم العربي مجرد احتلال في ثوب جديد.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇