العرب في بريطانيا | يسألوننا: ما فائدة المظاهرات؟ ونسألهم: كيف يمكن...

1447 ربيع الأول 17 | 10 سبتمبر 2025

يسألوننا: ما فائدة المظاهرات؟ ونسألهم: كيف يمكن ألّا نتظاهر؟

مقالArtboard 2 copy (18)

ها نحن ندخل الشهر الثاني والعشرين من الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهلنا في غزة، ولا يزال السؤال ذاته يتردّد في عواصم العالم، لا من بين من يُقصفون ويُجَوَّعون، بل من بين من يراقبون من بعيد، في حيرة أو تردّد أو لا مبالاة:

“وما فائدة المظاهرات؟”

 لكن السؤال الأصدق، الأكثر بداهةً وشرعية، هو:

كيف يمكن ألّا نتظاهر؟

 طوال ما يقرب من عامين، تتعرض غزة لعدوان مركّب لا يوفّر حيًّا ولا ميتًا: قصف عشوائي للأحياء، حصار خانق، تجويع ممنهج، حرمان من الدواء والماء، وتدمير للبنية الإنسانية والاجتماعية.

وفي وجه هذا الجحيم، لا يكون التظاهر ترفًا أو خيارًا ثانويًا، بل واجبًا أخلاقيًا وإنسانيًا لا يحتمل التأجيل.

 في مختلف بقاع الأرض، خرج الناس — من نيويورك إلى كيب تاون، ومن لندن إلى جاكرتا — ليس لأجل صورة عابرة أو مشهد مفجع فحسب، بل لأنهم يدركون أن الصمت في وجه الجريمة تواطؤٌ معها، وأن الإنسانية لا تُقاس بالكلام بل بالموقف.

 في زمن تغيب فيه العدالة من غرف السياسة، يصبح الشارع مساحةً أخيرةً للكرامة.

 التظاهر يؤلم… ولذلك يُستهدف

 ما نشهده اليوم من قمع ممنهج للمتضامنين مع فلسطين — من الاعتقالات والملاحقات، إلى التشويه والفصل من العمل — لا يستهدف من يضغط على الزناد، بل من يرفع صوته ضد الرصاصة.

 وهذا في حد ذاته، أقوى دليل على أن التظاهر يُقلق ويؤثّر.

 لو كان بلا أثر، لما خافوا منه.

لا يُجرَّم ما لا يُقلق، ولا يُسكت صوت إن لم يكن له صدى.

 طلاب يحتلون جامعاتهم، عمّال يضربون عن العمل، فنانون يتحدّون شركاتهم، وإعلاميون يخسرون وظائفهم بسبب كلمة حق — كل هؤلاء لم يرفعوا سلاحًا، لكنهم أوجعوا أقوياء يكرهون أن يُفضَح ظلمهم.

 وهنا نتذكر حديث النبي ﷺ حين قال:

“من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.”

وفي زمن يُراد فيه للناس أن يطأطئوا رؤوسهم، يبقى التظاهر من أبهى صور “التغيير باللسان” — ومؤشرًا على مجتمع لم يفقد بوصلة الأخلاق.

 حركات شعبية تغيّر معادلات

 لو عدنا إلى التاريخ القريب، لرأينا أن التظاهر لم يكن يومًا مجرد تنفيس، بل أداة تحريك وتحول:

  • في جنوب أفريقيا، كانت المظاهرات جزءًا محوريًا من كسر نظام الفصل العنصري.
  • في الولايات المتحدة، غيّرت مسيرات الحقوق المدنية واقع ملايين من السود والمهمّشين.
  • في فيتنام، أجبرت احتجاجات الشارع الإدارة الأميركية على إعادة التفكير في حربها.
  • واليوم، تتشكل حركة عالمية من أجل فلسطين — يقودها طلاب، ونقابيون، ومثقفون، وأناس عاديون — لكنها بدأت تغيّر الخطاب العام، وتُحرج النخب السياسية، وتعيد تعريف من يقف في صف العدل ومن يغطي على الجريمة.

وليس أدلّ على أثرها من هذا القلق المتزايد لدى الحكومات، وهذا السعار في قمع كل شكل من أشكال الاحتجاج.

 الضمير الشعبي ينهض… عالميًا

 فلسطين لم تعد قضيةً موسمية أو محصورة بمنطقة. لقد أصبحت رمزًا للعدالة المهدورة في عالم يختبر إنسانيته.

  • نقابات عمّالية في كندا وإسبانيا والنرويج تدعو لمقاطعة الشركات المتواطئة.
  • جامعات مرموقة في أميركا وبريطانيا تشهد اعتصامات غير مسبوقة.
  • مدن أوروبية تعيد النظر في صفقاتها الأمنية والعسكرية.
  • وشخصيات عامة في عالم الفن والرياضة والسياسة بدأت تخرج عن صمتها — رغم الثمن.

إنها ليست مجرد مظاهرات…

إنها علامة على ضمير عالمي لم يُهزم بعد.

 لمن يسأل: ما جدوى التظاهر؟

 نردّ ببساطة:

وما البديل؟

هل نقف صامتين بينما تُذبح الشعوب؟

هل نكتفي بالمراقبة بينما تُهدم البيوت وتُمحى الذاكرة؟

هل ننتظر عدالة عرجاء تهبط علينا من السماء؟

 الصمت لا يحمي الأبرياء… بل يُغري الجناة.

ومن يحاول إسكاتنا، يدرك ذلك جيدًا.

 يريدون منا أن نؤثر الراحة على الموقف، أن نغلق عيوننا كي تستمر الحياة بلا وجع.

لكننا نعلم أن الكرامة لا تُشترى بالسكوت، ولا تُستعاد دون ثمن.

 ولو كان التظاهر بلا أثر… لما اجتهدوا في قمعه.

وذلك وحده كافٍ لندرك أننا حيث يجب أن نكون:

في صفّ الضمير الإنساني،

وفي الجانب العادل من التاريخ.

 وكما قال الفيلسوف إدموند بيرك:

“الشرّ ينتصر عندما يقف الأخيار مكتوفي الأيدي.”

 ونحن — ما دمنا أحياء — لن نقف مكتوفي الأيدي.

 سنبقى في الشوارع، في الساحات، في الجامعات، في البرلمانات، وفي كل مكان يمكن أن يُسمع فيه صوت الإنسان ضد الجريمة.

سنبقى حيث تكون العدالة… حتى لو طال الطريق.

 لن نُرهب.

لن نُسكت.

ولن نتوقف — حتى تنتصر فلسطين.


اقرأ أيضًا:

 

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
8:23 pm, Sep 10, 2025
temperature icon16°C
broken clouds
90 %
998 mb
7 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds75%
Visibility10 km
Sunrise6:27 am
Sunset7:27 pm
uk ads space mobile
uk ads space mobile
uk ads space mobile

آخر فيديوهات القناة