العرب في بريطانيا | وزيرة الداخلية البريطانية ترفض مزاعم «طمس الهوي...

1447 رجب 2 | 22 ديسمبر 2025

وزيرة الداخلية البريطانية ترفض مزاعم «طمس الهوية الحضارية» بسبب الهجرة

وزيرة الداخلية البريطانية ترفض مزاعم «طمس الهوية الحضارية» بسبب الهجرة
محمد سعد December 15, 2025

في سياق الجدل المتصاعد بشأن مسألة الهجرة والهوية الحضارية في أوروبا، رفضت وزيرة الداخلية البريطانية شابانا محمود الادعاءات التي تتحدث عن تهديد «حضاري» يواجه القارة نتيجة الهجرة، معتبرة أن هذا الخطاب يُستخدم لتحقيق مكاسب سياسية على حساب المسلمين، ولا يعكس الواقع الفعلي الذي تعيشه المجتمعات الأوروبية.

رفض رسمي لخطاب «الطمس الحضاري»

وزيرة الداخلية البريطانية ترفض مزاعم «طمس الهوية الحضارية» بسبب الهجرةترامب، الإدارة الأمريكية، استراتيجية الأمن القومي
أسست إدارة ترامب استراتيجية الأمن القومي الأمريكي على خطاب عابر للحدود ومعادي للمهاجرين

قالت محمود: إن فكرة أن الحضارة الأوروبية أو الهُويات الوطنية مهددة بسبب الهجرة لا تستند إلى معطيات واقعية، مؤكدة أن المملكة المتحدة نجحت في تجاوز عقبات التعددية الثقافية «بصورة جيدة جدًّا».

وتُعد تصريحاتها من أوضح المواقف الحكومية البريطانية في سياق الرد على استراتيجية الأمن القومية الأمريكية والتي نُشرت هذا الشهر، وأثارت قلقًا أوروبيًّا؛ بسبب لهجتها الهجومية تجاه الحكومات الأوروبية، وترويجها لفكرة دعم أحزاب سياسية «وطنية» داخل القار،  في إشارة إلى أحزاب يمينية وشعبوية.

«نقاط سياسية على حساب المسلمين»

وفي مقابلة تلفزيونية، طُلب من محمود التعليق على الاستراتيجية وما تحمله من انتقادات ضمنية للمسلمين في أوروبا، فقالت: إن بعض الأطراف «تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية بإثارة الجدل فيما يخص أعداد المسلمين في أوروبا».

وأضافت: «نحن بلد يسمح للناس باتباع ضمائرهم والعيش بحرية، وفي الوقت نفسه نلتزم بقواعد مشتركة تتيح لنا العيش معًا بسلام».

التعددية في بريطانيا وتجربة الاندماج

وأعربت وزيرة الداخلية عن فخرها بالمواطنة في بلد متنوع دينيًّا وعرقيًّا، قائلة: إن بريطانيا «دولة متعددة الأديان والأعراق»، وقد تعاملت مع عقبات هذا التنوع «بطريقة أفضل من دول أخرى».

وأقرت في الوقت نفسه بوجود عمل إضافي مطلوب في ملف الاندماج وسرعة التحولات داخل المجتمعات، موضحة أنها تراجع سياسات الهجرة غير النظامية، وكذلك الهجرة القانونية، «بما يضمن الحفاظ على ثقة الرأي العام».

استراتيجية أمريكية مثيرة للجدل

وزيرة الداخلية البريطانية ترفض مزاعم «طمس الهوية الحضارية» بسبب الهجرة
تحذر استراتيجية الأمن القومي الأمريكي مما أسمته باحتمال طمس الهوية الحضارية لأوروبا

وتدعو الاستراتيجية الأمنية الأمريكية إلى ما تصفه بـ«استعادة الهُوية الغربية»، وتزعم أن أوروبا «لن تُعرَف خلال عشرين عامًا أو أقل»، محذّرة مما سمّته «الاحتمال القاتم لطمس الهُوية الحضارية».

كما تنص الوثيقة على رغبة الولايات المتحدة في أن «تبقى أوروبا أوروبية» وأن تستعيد «ثقتها الحضارية بنفسها»، وتشيد بدور «الأحزاب الوطنية الأوروبية»، معتبرة أن واشنطن تحثّ حلفاءها السياسيين في أوروبا على دعم هذا التوجه.

وتذهب الاستراتيجية أبعد من ذلك، إذ توحي بدعم محاولات للتأثير في السياسة الداخلية الأوروبية، داعية إلى أن تعطي السياسة الأمريكية الأولوية لـ«مقاومة المسار الحالي لأوروبا من داخل الدول الأوروبية نفسها».

حذر بريطاني في التعامل مع واشنطن

ورغم حدة الطرح، حرصت الحكومة البريطانية على عدم توجيه انتقاد مباشر للرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقال رئيس الوزراء كير ستارمر: إنه سيقف دائمًا إلى جانب «القيم الأوروبية الراسخة المتمثلة في الحرية والديمقراطية».

من جهتها أوضحت سيما مالهوترا، المسؤولة الرفيعة في وزارة الخارجية البريطانية، أن الحكومة تختلف مع بعض جوانب الاستراتيجية الأمريكية، لكنها نبّهت على أن الولايات المتحدة «لا تزال حليفًا موثوقًا ومهمًّا».

في سياق متصل، قال عمدة لندن صادق خان: إن بريطانيا شهدت «زيادة كبيرة في الكراهية ضد المسلمين»، معتبرًا أن بعض الخطابات السياسية «تُدخل آراء غير مقبولة إلى التيار العام وتُطبعها في النقاش العام».

الدين والعمل العام

وتحدثت محمود عن علاقتها بدينها، قائلة: إن كونها مسلمة هو «الدافع الذي يجعلني أرغب في خدمة بلدي والعمل على جعله مكانًا أفضل لملايين الناس».

وعند سؤالها عما إذا كانت بريطانيا مستعدة لرئيس وزراء مسلم في المستقبل، أجابت: «لا أستطيع التنبؤ بذلك، لكن ما أستطيع قوله هو أن بريطانيا لديها وزيرة داخلية مسلمة، وهذا بحد ذاته يوضح ما هو ممكن في هذا البلد».

الهجرة بوصفها خط تماس سياسي عابر للأطلسي

وزيرة الداخلية البريطانية ترفض مزاعم «طمس الهوية الحضارية» بسبب الهجرة
الهجرة أصبحت ملف لصياغة سياسات الهوية الغربية المعادية للتنوع

تشير منصة العرب في بريطانيا (AUK) إلى أن موقف وزيرة الداخلية البريطانية لا يمكن فصله عن تحوّل أعمق في العلاقات العابرة للأطلسي، حيث تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى ترسيخ خطاب يميني يعيد تعريف الهجرة بوصفها تهديدًا وجوديًّا للحضارة الغربية، لا مجرد ملف سياسي أو اجتماعي قابل للإدارة. هذا التوجه لا يستهدف الداخل الأميركي وحده، بل يحاول تصدير منطق «الهُوية المحاصَرة» إلى الحلفاء الأوروبيين، بما يضغط على حكوماتهم ويشجع خطاب يميني لإعادة صياغة سياساتها الداخلية وفق سردية أمنية وهوياتية ضيقة، تتقاطع فيها القومية مع الخوف الديموغرافي ومعاداة الهجرة.

وفي هذا الإطار، يتحول ملف الهجرة إلى ساحة صراع مركزية تربط بين الأمن والهُوية والعلاقات الدولية، بالتوازي مع تصاعد الخلافات بشأن مستقبل أمن أوروبا وحدود الدور الأميركي في ضمانه. فمع تراجع اليقين الأوروبي تجاه الاعتماد على المظلة الأمنية الأميركية، يُعاد توظيف خطاب «البقاء الحضاري» بوصفه أداة سياسية لإعادة ترتيب الاصطفافات داخل الغرب نفسه. وبينما تحاول لندن التمسك بخطاب التعددية والانفتاح، تجد نفسها أمام اختبار صعب بين الانخراط في موجة يمينية عابرة للحدود، أو الحفاظ على تمايز سياسي قد يوسّع الفجوة مع واشنطن في مرحلة شديدة الحساسية من إعادة تشكيل النظام الغربي.

المصدر: الغارديان


اقرأ أيضاً

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة