“الأقنعة والخيانة”.. قراءة في وجوه اللاجئين الذين يصنعون قسوة بريطانيا
تعيش بريطانيا مفارقة سياسية صارخة. أولئك الذين يرفعون أصواتهم بأعلى درجات الحدة للدفاع عن حدود البلاد هم أنفسهم من تسللوا إليها في الماضي. يشبه الأمر شخصًا يدخل حفلًا عبر نافذة المطبخ ثم يبدأ بإلقاء المحاضرات على الآخرين حول ضرورة استخدام الباب الأمامي. قد يبدو المشهد مضحكًا لو لم يكن جزءًا من السياسة الوطنية.
في وستمنستر، تبرز شخصيات مثل شابانا محمود، بريتي باتيل، سويلا برافرمان ، كيمي بادينوك، ريشي سوناك، ساجد جافيد، ضياء يوسف، وليلى كانينغهام. يسير هؤلاء في أروقة السلطة بثقة متصنعة، كحراس أخلاقيين، موجهين صافرات التحذير لكل من يقترب من بريطانيا دون الأوراق الصحيحة أو الخلفية الملائمة أو الجزاء المطلوب.
ورغم المظاهر الرسمية، تكشف السلوكيات ازدواجية المعايير. باتيل، ابنة لاجئين، توجه الانتقاد للأشخاص في القوارب الصغيرة كما لو كانت الرحمة ممنوعة. برافرمان تمارس القسوة بابتسامة واسعة، وكأنها تتباهى بها. سوناك، المولود في بيئة مترفة ومرتديًا بدلة مصقولة، يعظ من لم يشهدوا أبدًا شبكات الأمان الاجتماعي التي ينعم بها.
أما بادينوك، التي قدمت والدتها إلى بريطانيا من أجل الولادة، وهو ما كانت الصحف الشعبية اليوم ستصفه بـ “السياحة الصحية”، فتغلق الأبواب بقوة تصل أصداؤها إلى لاجوس. لو كانت السخرية رياضة أولمبية، لكانت قد فازت بالميدالية الذهبية، رفعت العلم، وطردت حفل توزيع الجوائز.
مشهدهم يشبه مجموعة تدخل متحفًا، تسرق أقنعة من معرض الأمن، وتضعها على رؤوسهم، وتعلن أنهم الحماة الحقيقيون للمكان. يرتدون قناع المؤسسة بفخر، متنكرين في صورة صوت الشعب، بينما يعملون كمقدمي خدمة للنخبة اليمينية. تمثل خلفياتهم المهاجرة تمويهًا، ويصبح لون البشرة مجرد قناع، وتختفي قصص هجرتهم لتحل محلها خطابات عن القيم البريطانية، القرارات الصعبة، واستعادة السيطرة، وكأنهم يقفون على منصة بنيت أساسًا من الانفتاح الذي يهاجموه الآن.
هذا المشهد يُعد درسًا سياسيًا في نسيان الذات: كيفية استغلال التراث الشخصي كأداة دون أن تتلطخ البدلة الرسمية. شهادة متقدمة في إزالة السلم، مع تخصص فرعي في النسيان الانتقائي.
المفارقة تكمن في أنه لو طبق هؤلاء سياساتهم على حياتهم الشخصية، لكان نصفهم يحضر جلسات البرلمان عبر مكالمات الفيديو من قارة أخرى. وهكذا نراهم، حراس البوابة، المدافعون عن بريطانيا التي رحبت بعائلاتهم يومًا، مرتدين أقنعة مجازية، موجهين الأصابع، صارخين بانتهاكات أمنية.
قد يبدو المشهد مضحكًا، لكن الضحايا الحقيقيين هم الذين يشبهونهم تمامًا. وهنا يكمن الدرس: في مسرح السياسة البريطانية، لا يخفي القناع المصمم بعناية التناقضات والازدواجية أفضل من أي شيء آخر.
إقرأ أيضًا :
الرابط المختصر هنا ⬇
