واحد من كل 12 طالبًا في مدارس بريطانيا يُعزل أسبوعيًا داخل غرف تأديب خاصة
في وقتٍ تتوالى فيه الوعود بإصلاح المناخ المدرسي وتحسين رفاه التلاميذ، تكشف دراسة أكاديمية واسعة عن ممارسة صامتة لكنها مؤثرة: العزل الداخلي للتلاميذ داخل غرف منفصلة لساعات طويلة، بما يقتطع يومًا دراسيًا كاملًا من تعلّمهم. القضية لا تقف عند حجم الظاهرة، بل عند عدالتها وآثارها غير المتكافئة على الفئات الأضعف داخل المدرسة البريطانية.
ماذا تقول الدراسة؟

بحثٌ صادر عن جامعة مانشستر، نُشر في «المجلة البريطانية للبحوث التربوية»، حلّل بيانات مسح #BeeWell لرفاه الشباب والذي شمل 34 ألف تلميذ في 121 مدرسة ثانوية بمانشستر الكبرى. أفاد 8.3% من التلاميذ بأنهم يُوضعون في غرف العزل على الأقل مرة أسبوعيًا، بمتوسط 8.5 ساعات أسبوعيًا بعيدًا عن الفصول، ما يعني خسارة تتجاوز يومًا كاملًا من الدروس. المشاركون الذين خضعوا للعزل أشاروا إلى تراجع شعورهم بالانتماء، وتدهور علاقاتهم بالمعلمين، وتدنٍ في مستوى الصحة النفسية.
تشرح الباحثة الرئيسة، إيما ثورنتون، أن العزل قد يوفّر حلًا قصير الأمد للانضباط، لكنه يُطبّق «بصورة غير متكافئة على من هم في أمسّ الحاجة إلى الدعم»، بما يقود إلى «تعلمٍ مفقود وصلات أضعف بالمدرسة وأحيانًا تدهورٍ في الصحة النفسية». أما المشرف على برنامج #BeeWell، البروفيسور نيل همفري، فيرى أن الأدلة المتاحة «لا تجعل من العزل حلًا»، داعيًا إلى الاستثمار في «دعم سلوكي إيجابي ومقاربات ترميمية وخدمات صحة نفسية أفضل» تُبقي التلاميذ داخل مسارات التعلم والاندماج.
من يتأثر أكثر؟ فجوات العدالة التعليمية

البيانات تُظهر أن الأطفال ذوي الاحتياجات التعليمية الخاصة أكثر عرضة للعزل بما يزيد على الضعف مقارنة بغيرهم. وتلاميذ الوجبات المدرسية المجانية أكثر تعرّضًا للعزل بما يزيد على مرة ونصف مقارنة بأقرانهم الأوفر دخلًا. كما أفاد التلاميذ الذين يعرّفون أنفسهم ضمن مجتمع الميم تقريبًا بضعف احتمالات العزل مقارنة بغيرهم، وبرزت فجوة إضافية ضد التلاميذ من ذوي الأصول الإفريقية والآسيوية والخلفيات المختلطة مقارنة بالبيض البريطانيين.
تصف منظمات معنية بالاندماج هذه الفوارق بأنها إشارة إنذار لسياسات مدرسية قد تُفاقم الإقصاء بدل معالجة جذوره. كيران غيل من مؤسسة «ذا ديفرِنس» دعت إلى ممارسات تشخيصية وداعمة داخل المساحات الداخلية «تُعيد الأطفال إلى الصف بأسرع ما يمكن». فيما شددت إيلّي كوستيلو من شبكة «نوت فاين إن سكول» على ضرورة إلزام المدارس بالإبلاغ العلني عن استخدام العزل، أسوةً بتعليق الدراسة أو الفصل، لتمكين الرقابة العامة وصناعة السياسات على أساس بيانات.
جدل قانوني واستجابات متباينة

القضاء الإنجليزي ثبّت في وقت سابق من العام صلاحية «حجيرات العزل» داخل المدارس، عقب طعنٍ تقدّم به محامو ثلاث أسر ضد «جون سميتُن أكاديمي» في ليدز، حيث قضت قاضية المحكمة العليا السيدة كولينز رايس بأن السياسة «لم تتجاوز حدود ما يتيحه القانون أو الممارسة الرشيدة»، رغم تساؤلاتٍ عن «معقوليتها» وغياب بدائل واضحة. إحدى الحالات الواردة أمام المحكمة أمضى صاحبها 83 يومًا في العزل و14 يومًا موقوفًا عن الدراسة خلال عامٍ دراسي واحد—رقمٌ يعيد إحياء السؤال حول الغاية التربوية من الإجراء وحدوده.
في المقابل، حذّر مستشار وزارة التعليم لسلوكيات الطلبة، توم بينِت، من شيطنة أدوات الانضباط، معتبرًا أن المدارس «لا تملك خيارًا» سوى إبعاد من يعتدي أو يكرر تعطيل الدروس «حفاظًا على سلامة المجتمع المدرسي». وزارة التعليم أكدت بدورها ضرورة التوقعات السلوكية العالية ودعم المدارس من قِبل أولياء الأمور، مع التعهّد بتوسيع إتاحة الاختصاصيين النفسيين في كل مدرسة ثانوية لمعالجة جذور السلوكيات المضطربة.
بين دواعٍ أمنية وتربوية مشروعة وحقّ التلاميذ في تعليم منصف ورعاية نفسية ملائمة، تبقى غرف العزل أداة عالية الكلفة إذا جرى توظيفها بصورة روتينية أو غير شفافة. «العرب في بريطانيا» تدعو إلى ثلاثة مسارات متكاملة: أولًا، إلزامية النشر السنوي لبيانات العزل الداخلي وفق فئات ديموغرافية واضحة لضمان المساءلة العامة. ثانيًا، توجيه التمويل نحو بدائل مُثبتة—الدعم السلوكي الإيجابي، العدالة الترميمية، وخدمات الصحة النفسية المدرسية—بما يحفظ انضباط الصف ويصون حق التعلم. ثالثًا، مراجعة الإرشادات الوطنية لوقف أي استخدام «مفرط» أو «عقابي» يُفاقم الفجوات ويضرّ بالفئات الأضعف. مدرسة عادلة لا تُقاس بصرامة العقاب، بل بقدرتها على إعادة دمج من يتعثرون داخل الفصل لا خارجه.
المصدر: الغارديان
إقرأ أيضا
الرابط المختصر هنا ⬇
