هل يغيّر خفض سن التصويت إلى 16 عامًا ملامح الديمقراطية البريطانية؟
في خطوة وُصفت بالتاريخية، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر نية حكومته خفض سن التصويت إلى 16 عامًا، ما يمنح أكثر من مليون شاب وشابة حق المشاركة في الانتخابات العامة لأول مرة في تاريخ البلاد.
وتأتي هذه الخطوة ضمن تعهدات حزب العمال في برنامجه الانتخابي، في إطار سعيه لتوسيع قاعدة المشاركة السياسية وتعزيز الحضور الشبابي في العملية الديمقراطية.
مشاركة مبكرة وعدالة انتخابية
ترى الحكومة أن منح الشباب حق التصويت في سن مبكرة، لا سيما أثناء وجودهم في النظام التعليمي، قد يساعدهم على اكتساب عادة التصويت مدى الحياة. كما تعتبر هذه الخطوة جزءًا من تحقيق العدالة، إذ إن عددًا كبيرًا من الشباب يعملون ويدفعون الضرائب أو يخدمون في الجيش، لكنهم لا يملكون حق التصويت.
ويهدف القرار إلى توحيد سن الاقتراع في أنحاء المملكة المتحدة، بعد أن أصبح من حق من يبلغون 16 عامًا التصويت في الانتخابات المحلية والبرلمانية في كل من اسكتلندا وويلز، في حين لا يزال الحد الأدنى للتصويت في إنجلترا وأيرلندا الشمالية هو 18 عامًا.
وقال ستارمر: “إذا كنت تساهم في الدولة، فمن حقك أن تقرر كيف تُنفق أموالك. على كل شاب وشابة أن يكون لهم صوت في مستقبل هذا البلد”.
انقسام سياسي وانتقادات من المحافظين
لاقى القرار معارضة من حزب المحافظين، الذي وصفه بـ”المربك”، مشيرًا إلى التناقض في السماح للشباب بالتصويت، بينما يُمنعون من الترشح للانتخابات، أو شراء الكحول، أو الزواج، أو حتى شراء تذكرة يانصيب.
ورغم عدم تصريح حزب العمال بذلك علنًا، يرى مراقبون أن الحزب قد يستفيد انتخابيًا من هذا التغيير، نظرًا إلى أن الفئة العمرية المستهدفة تميل تاريخيًا إلى تأييد السياسات اليسارية.
نتائج متباينة في اسكتلندا وويلز
تجارب سابقة في اسكتلندا وويلز أظهرت نتائج متفاوتة. ففي استفتاء الاستقلال الاسكتلندي عام 2014، سجلت الفئة العمرية 16–17 عامًا مشاركة عالية تفوقت على فئة 18–21 عامًا.
أما في انتخابات ويلز عام 2021، فلم يشارك معظم من شملهم القرار في التصويت، ولم يسجل الكثيرون أنفسهم كناخبين.
وفي استطلاع أجرته شركة “Merlin Strategy” لصالح قناة ITV، أبدى 33% من الشباب المشاركين تأييدهم لحزب العمال، مقابل 20% لحزب “ريفرم يو كيه”، و10% للمحافظين.
لكن اللافت أن نصف المشاركين قالوا إنهم لا يشعرون بأنهم جاهزون للتصويت، بينما أكد 18% فقط أنهم سيصوتون بالتأكيد إذا جرت انتخابات في اليوم التالي.
كما أشار أكثر من 20% إلى نظرة إيجابية تجاه نموذج الحكم العسكري القوي الخالي من الانتخابات، ما يثير تساؤلات حول مدى وعي هذه الفئة بطبيعة النظم الديمقراطية.
دعوات لإصلاحات أوسع
يرى خبراء أن خفض سن التصويت خطوة مهمة لكنها غير كافية، ويؤكدون على ضرورة إدخال إصلاحات مكمّلة، أبرزها تعزيز التعليم المدني وتبني نظام التسجيل التلقائي للناخبين.
وقال هاري كويلتر-بينر، المدير التنفيذي لمعهد أبحاث السياسات العامة، إن الديمقراطية البريطانية تواجه أزمة ثقة متصاعدة، محذرًا من الوصول إلى “نقطة تحول تفقد فيها السياسة شرعيتها”.
وأضاف أن خفض سن التصويت قد يساهم، إلى جانب التسجيل التلقائي، في إدخال نحو 9.5 مليون ناخب جديد إلى العملية الانتخابية، وهو ما يمثل خطوة ضرورية لإعادة بناء الثقة ومواجهة تصاعد الخطاب الشعبوي.
مشاركة منخفضة وأمل في التغيير
رغم الجدل، يرى مؤيدو القرار أنه ضروري في وقت تتراجع فيه نسبة الإقبال على التصويت، حيث لم يصوت سوى نصف المؤهلين في الانتخابات العامة الأخيرة. ويأملون أن يؤدي إشراك الشباب إلى تجديد الحياة الديمقراطية.
وفي مقابل هذه الآمال، لا تزال الشكوك قائمة حول فعالية القرار، ومدى تأثيره الحقيقي على تعزيز المشاركة السياسية.
لكن المؤكد أن خفض سن التصويت إلى 16 عامًا يمثل لحظة مفصلية قد تعيد رسم مشهد الديمقراطية البريطانية في السنوات المقبلة، سواء من حيث طبيعة المشاركة أو اتجاهات التصويت وصناعة القرار.
هذا وتشير منصة العرب في بريطانيا (AUK) إلى أهمية توسيع دائرة المشاركة السياسية، إذ أنها خطوة مهمة في تعزيز الديمقراطية. ولكنّها تعتقد أن خفض سن التصويت لا يجب أن يكون معزولًا عن رؤية شاملة تهدف إلى تثقيف الناشئة سياسيًا، وتمكينهم من فهم عميق للمسؤوليات المدنية.
ولذلك، فإن أي إصلاح انتخابي حقيقي يجب أن يُرافق بإصلاحات تربوية ومجتمعية تؤسس لوعي ديمقراطي فعّال، وتحمي النظام السياسي من أن يتحول إلى ساحة مغلقة لا تعبّر عن صوت الأجيال الصاعدة.
المصدر: الغارديان
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
22°C
