العرب في بريطانيا | هل حقاً انتصرت غزة؟!

1446 شعبان 5 | 04 فبراير 2025

هل حقاً انتصرت غزة؟!

غزة
عادل يوسف February 4, 2025

صُبّت عليّ مصائب لو أنها 

صُبّت على الأيام صرنا لياليا 

ما إن وضعت الحرب أوزارها، حتى تراشقت الأقلام واقتسم الناس ما بين مؤيد ومعارض، فمن قال انه نصر مبين وعز وتمكين وضرب مثلهم بالجزائريين، رد عليه الفريق الآخر أن اليوم لا يُشبه البارحة، فالصحراء الكبرى بسهولها وهضابها أعطت الكثير لأصحاب الأرض، ناهيك عن إغداق _ جمال عبد الناصر _ ودعمه اللامحدود للثوار وقتئذ.

أما غزة المكلومة فقد أطبق عليها المُرجفون من كل جانب، وتركوها لقمة سائغة لأراذل القوم ولقوى الشر في العالم من خلفهم.

ومن رفع راية _ القول الآخر _ وحمّل صُناع القرار مسؤولية إزهاق الأنفس، وأنهم تركوا الاهتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام لما قبِل بصلح الحديبية _ حفظاً للدماء_، رماهم الآخرون بالزندقة وأنهم قد قرأوا التاريخ وغاب عنهم فقهه، ذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان في موقف قوة أولاً، و ثانياً كان جهاده أشبه بجهاد طلب اما غزة فجهادها دفع، فكيف يُساوى بالطلب الدفاع؟!.

هذا مع تمسّكي بأصفياء الفريق الأول، أجدُني وقد بت من اصحاب الأعراف من كثرة ما قلّبت ناظري لذريعة الآخر، إلى أن عاد لي رُشدي وناداني الحق الأبلج أن سلام عليكم طبتم.

فطفقت أجمع ما لاكته ألسنة المُختصين، وأُصغي لقرع أقلام الحُذّق _ نحسبهم ولا نُزكيهم _ لعلي آتيكم منهم بقبس أو أجد على الأمر هدى.

بادئ ذي بدء يجب البحث عن أرضية مشتركة يتم البناء عليها والانطلاق منها، فقبل أن نختلف أهو فوز أم خسارة؟، دعونا نتفق على معايير النصر وموجبات الهزيمة.

والأمر سيّان فقبل أن تبهت الامام البخاري بالتدليس، واستحالة أن يكون كل ما سطره في صحيحه هو ما افترّت به شفتا المصطفى لأنه _ إنسان _، السؤال الذي يجب أن يُطرح قبل ذلك هو متى يكون الحديث الصحيح صحيحاً، وعلى إثره يتم التقيم ، وكذا دواليك في سائر الأمور .

فمتى يكون النصر نصراً هو سؤال المرحلة وحجر الزاوية الذي لا يستقيم الحوار الاّ به، وفي هذا الباب أسوق كلاماً نفيساً فهو _ برأيي_ كالشمس للدنيا وكالغيث للأرض الجدباء، للدكتور نايف بن نهار إذ يقول:

لا يمكن الحكم على تجربة بأنها ناجحة أو فاشلة الاّ إذا اتفقنا على المعيار الذي نحكم به، فمثلاً قد تجد شخصاً يبتذل نفسه ويسترخصها كي يصل إلى منصب معين فإذا وصل رأى نفسه ناجحاً، لأن معيار النجاح عنده هو الوصول بحد ذاته، وهناك شخص يرى ذلك فشلاً، لأن معيار النجاح عنده هو الحفاظ على كرامته،

هكذا نجد اختلاف المعايير يؤدي إلى اختلاف الأحكام.

طبق الأمر نفسه على طوفان الأقصى، الحكم عليه يعتمد على المعيار الذي تحكم به، فالذين ينتقدون الطوفان اليوم يحكمون عليه بمعيار الكُلفة، فبما أن الكُلفة عالية فهي بنظرهم عملية خاطئة.

يكمل: لكن معيار الكُلفة ليس صحيح دائماً، بدليل أن الجميع سعيد بإنتصار الثورة السورية رغم ان كُلفتها اكبر من كلفة غزة بأضعاف مضاعفة، والجميع يفخر بالثورة الجزائرية التي كانت كُلفتها اكبر بكثير من كلفة غزة، والجميع يُعد الاتحاد السوڤيتي منتصراً حين طرد النازيين مع ان الاتحاد السوڤيتي خسر عشرين مليون إنسان!!.

ثم لو كنّا سنحكم بمعيار الكُلفة فهذا يعني ان اسرائيل لو احتلت أي بلد عربي فالواجب ألّا يُقاومها أحد، لأن مقاومتها سيكون لها كلفة كبيرة على أرواح الناس، وهكذا نجد أن معيار الكلفة يقودنا إلى خيار وحيد أمام اسرائيل وهو خيار الاستسلام.

ثم لماذا نتحدث عن كلفة الحرب ولا نتحدث عن كلفة السلام، الضفة الغربية خسرت أكثر من ٤٠٪؜ من مساحتها بسبب السلام و٨٠٠ ألف محتل صهيوني استوطن الضفة بسبب السلام، فلماذا تهمنا كُلفة الحرب ونتهرب عن الحديث عن كلفة السلام؟

هل الكلام السابق يعني أن الكُلفة ليست مهمة؟ لا شك أنها مهمة وجوهرية، لكن يجب ان يُضاف لها معياراً آخر وهو معيار الجدوى، فالكلفة إذا لم تكن لها جدوى مناسبة فإنها مجرد طيش وعبث.

هل كان الطوفان مُجدياً في مشروع استنزاف الكيان الصهيوني؟

حول هذا السؤال ينبغي ان يكون نقاشنا جميعاً، وشخصياً أرى أنها كانت ذات جدوى عالية فعلاً، ويمكن أن نذكر عشرات الأسباب التي تُثبت هذه الجدوى، وقد اعترف الصهاينة أنفسهم بكثير منها.

لكن الجدوى المركزية في اعتقادي هو أن الطوفان وضع اسرائيل على مسار الانحدار بشكل عملي، فأن تضرب المقاومة عمق الأمن الاسرائيلي بما يؤدي إلى أكبر هجرة في تاريخ اسرائيل، ثم تحشد اسرائيل كل قوتها وبدعم مطلق من القوى الغربية لمدة سنة ونصف، ثم بعد ذلك كله تخرج المقاومة صامدة ومتماسكة وكأن الحرب كانت يوماً او بضع يوم.

هذا كله لهو أكبر ضربة حقيقية لإرادة البقاء للمجتمع الصهيوني وأكبر ضربة لإرادة القتال للمؤسسة العسكرية، وحين تضرب إرادة البقاء وارادة القتال معاً، فأنت عملياً تكون قد وضعت اسرائيل على مسار التدحرج من القمة.. انتهى

ولأنه _ لا عطر بعد عروس_ فلنحتكم مباشرةً إلى معايير النصر:

١- النصر في الثبات.

الأمر بالنسبة لنا _ كمسلمين _ أُخروي بحت، فالثبات على المبدأ يوم إحتدام السيوف هو ما أُمرنا به وان كان سيقابله الفناء في الدنيا، ذلك انه سبحانه قد إمتدح أصحاب الأخدود مع أنهم قد أُبيدوا عن بكرة أبيهم (وذلك الفوز الكبير ) .

٢- النصر في المواجهة وعدم الفرار. 

اصحاب طالوت لما ظنوا أن معيار القوى قد يعطيهم أحقية القعود وعدم الذهاب للقتال (لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده)، جاءهم الرد (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله.. الاية)

فالاستكانة للضيم وعدم بذل الأسباب بحجة عدم تساوي القوى من ناحية، والركون إلى السلامة من ناحية أخرى، قد يُكلف الكثير وهذا ما رمى إليه الشارع، فعندما غزا جيش يزيد بن معاوية بلاد الروم وفي حصار القسطنطينية خرج إليهم القوم وقد ألصقوا ظهورهم بحائط المدينة، فلما زاد الحصار حمل المسلمون أحد فوارسهم وألقوا به في وسط العدو، فقال بعضهم: لا اله الا الله ألقى بنفسه إلى التهلكة.

فقام فيهم الصحابي الجليل ابي أيوب الأنصاري خطيباً فقال: يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الاية على غير الوجه الذي أُنزلت فيه.

نزلت فينا معاشر الانصار وذلك انه لما نصر الله نبيه وظهر الإسلام، قلنا بيننا معشر الانصار خُفيةً عن رسول الله: إنّا تركنا اهلنا وأموالنا أن نُقيم فيها ونصلحها حتى نصر الله نبيه، هلمّ في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة.. الاية )

فالمراد بالتهلكة هو ترك الجهاد، لأنه إن انتصر العدو سيذل المسلمين ويسلب حريتهم وإرادتهم، وما أمر بلاد الساموراي عنّا ببعيد.

قلت: وهذا مشاهد مجرب فهب ان ابنك أتاك يشتكي تلميذاً في صفه قد آذاه، سفسطة منك إن ظننت انه سيتركه وشأنه في اليوم التالي بدون ردة فعل لاذعة تردعه. مدرسة ابنك صورة مصغرة عن العالم، وحوش متناثرة بربطات عُنق أنيقة ، البعض منهم لا يكف أذاه حتى يرى السبابة وهي تُحكم قبضتها على الزنّاد والسيف قد انتصل عن غمده . والعرب تقول قد يُدفع الشر بمثله إذا أعيّاك غيره.

وإذا بُليت بظالمٍ كن ظالماً 

وإذا لقيت ذوي الجهالة فجهل 

ولعمرو بن كلثوم

ألا لا يجهلن أحدٌ علينا فنجهل 

فوق جهل الجاهلينا 

٣- النصر في عدم التحقيق العدو مراده 

بعد اليوم المشهود رفع النتن وزبانيته شعار أن لا مقاومة بعد اليوم، ووعد أهالي أسراهم بأيام او قل سويعات حتى يرجع أحبابهم إلى أحضانهم. السويعات أصبحت ليال والأيام باتت بالشهور تُعد، حتى شاهدهم العالم اجمع وهم يجرون اذيال الخيبة وقد أصبحوا بين قتيل وجريح _ خرج عن الخدمة _، قد أذعنوا لما أملت عليهم المقاومة بكل خضوع.

فعدم تحقيق العدو مراده _ رغم فارق القوى _ هو نصر بحد ذاته، كما سماه الله سبحانه لما حفظ نبيه عليه السلام من كيد كفار قريش لما أخذوا في طلبه في هجرته من مكة إلى المدينة (إلا تنصروه فقد نصره الله.. الاية)

٤- النصر في (الضعيف ينتصر إذا لم ينهزم)  

يذكر الخبير العسكري اللواء فايز الدويري _ بتصرف أن معايير النصر في الحروب وعن كونها متناظرة او لا:

فالحرب المتناظرة هناك هزيمة لجيش وفوز لآخر كما هو الحال في بريطانيا وحلفائها ضد ألمانيا هتلر، والولايات المتحدة الأمريكية ضد نظريتها اليابان.

اما غير المتناظرة _ جيش بآلياته ومدرعاته أمام شعب ومليشيا مقاومة _ في هذه الحالة بقاء الضعيف في ساحة المعركة هو عين النصر، ولنا في الفيتناميين مع الأمريكان، والجزائريين ضد فرنسا، والمصريين أمام الاحتلال الانجليزي، خير مثال.

كما جاء على لسان عرّاب السياسة في البيت الأبيض هنري كيسنجر عام ١٩٦٩: لقد خُضنا حرباً عسكرية، أما خُصومنا خاضوا معركة سياسية سعياً للاستنزاف الجسدي، لقد سعوا إلى إنهاكنا نفسياً، وفي هذه العملية فقدنا رؤية احد المبادئ الرئيسية في الحرب:

ان العصابات (المقاومة) تنتصر إذا لم تهزم، والجيش التقليدي يخسر إذا لم ينتصر.

ثم أما بعد؛ هذا ما تيسر جمعه واتصل سنده، فإن قيل ان الأمر خلاف ما سطرتم ، وفي البواطن أقوال قد نسخت ما أظهرتم، قلنا هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ..

 


اقرأ ايضًا:

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
11:26 am, Feb 4, 2025
temperature icon 9°C
overcast clouds
Humidity 84 %
Pressure 1022 mb
Wind 12 mph
Wind Gust Wind Gust: 0 mph
Clouds Clouds: 100%
Visibility Visibility: 10 km
Sunrise Sunrise: 7:34 am
Sunset Sunset: 4:54 pm