هل تشهد مدفوعات الرعاية الاجتماعية في بريطانيا أزمة خلال عام 2025؟

في خطوة مثيرة للجدل، أعلن رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر عزمه تنفيذ تخفيضات كبيرة في نظام الرعاية الاجتماعية المرتبط بالصحة، الذي وصفه بـ”المعطوب” و”غير المبرر”، وسط مخاوف من تداعيات هذا القرار على الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع.
يكلف هذا النظام الحكومة البريطانية نحو 65 مليار باوند سنويًا، مع توقعات بارتفاع هذه التكلفة إلى 100 مليار باوند بحلول 2030، في ظاهرة أثارت تساؤلات عميقة حول أسبابها ومدى استدامتها.
البروفيسور بن جايجر، أستاذ العلوم الاجتماعية والصحة بكلية كينجز في لندن، يرى أن ارتفاع الإنفاق على إعانات الإعاقة لا يعني بالضرورة أن النظام خارج عن السيطرة، لكنه يضيف متعجبًا: “من المذهل أنه رغم كل التخفيضات التي حدثت خلال العقد الماضي، فإن الإنفاق على الرعاية الاجتماعية في 2024 أكبر مما كان عليه في 2007”.
أزمة مدفوعات الرعاية الاجتماعية
يُجمع خبراء السياسات على أن الارتفاع الدراماتيكي في مطالبات إعانات العجز والإعاقة يعود لثلاثة عوامل رئيسية، بدءًا من الحوافز المالية التي تشجع المواطنين على طلب مستويات أعلى من المساعدات، مرورًا بالزيادة الملحوظة في حالات الأمراض المتعلقة بالصحة النفسية بعد الجائحة، وانتهاءً بضعف آليات دعم وتحفيز العودة لسوق العمل.
تكشف الأرقام الصادرة عن معهد الدراسات المالية حقيقة مقلقة؛ إذ إن نحو 4 ملايين بريطاني في سن العمل (16-64 عامًا) – أي شخص من كل عشرة – يتلقون حاليًا إعانات إعاقة أو عجز، بزيادة قدرها 1.2 مليون شخص منذ 2019، ويُعزى أكثر من نصفها إلى ارتفاع الحالات المرضية المرتبطة بالصحة النفسية واضطرابات السلوك.
وتشير بيانات هيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا إلى ارتفاع عدد مستخدمي خدمات الصحة النفسية بنحو 40% خلال السنوات الخمس الماضية، في مؤشر على تفاقم الوضع الصحي العام للمجتمع.
نظام يقيد المستفيدين
تتناقض المنظومة الحالية مع نفسها بشكل كبير، فبينما يحصل البالغ الأعزب على 85 باوند أسبوعيًا كحد أدنى من معونات “يونيفيرسال كريديت”، تشير مؤسسة جوزيف راونتري إلى أن الفرد يحتاج 120 باوند على الأقل أسبوعيًا لتغطية الضروريات الأساسية دون احتساب الإيجار.
هذا التفاوت، إلى جانب الشروط الصارمة لإعانات “اليونيفيرسال كريديت” التي تتطلب البحث عن عمل، يدفع الكثيرين للجوء إلى إعانات الإعاقة والعجز التي توفر دخلاً أعلى دون اشتراطات.
أيلا عثمان، مديرة السياسات في مؤسسة Z2K الخيرية، توضح المعضلة قائلة: “إذا اتَّخذتَ خطوات جدية للبحث عن عمل، فسيتم استخدام ذلك ضدك”. وتضيف: “نحو 90% من المستفيدين الذين نتعامل معهم يخشون البحث عن عمل خوفًا من فقدان إعاناتهم الصحية”.
خطط توفير تصطدم بواقع معقد
تسعى حكومة العمال لتوفير نحو 5 مليارات باوند سنويًا مع نهاية الفترة البرلمانية الحالية، من خلال إصلاح نظام إعانة الاستقلال الشخصي “Personal Independent Payment”، وسط ضغوطات لمواجهة التحديات المالية وتوفير موارد إضافية للإنفاق الدفاعي.
لكن الخبراء يحذرون من أن التغييرات الجذرية في معايير الأهلية غالبًا ما تؤدي إلى وفورات أقل من المتوقع وتخلق اختلالات في مناطق أخرى من النظام. فعندما انتقلت الحكومة السابقة من بدل المعيشة للإعاقة إلى مدفوعات الاستقلال الشخصي في 2012، توقعت توفير 1.4 مليار باوند، لكن الوفورات الفعلية لم تتجاوز 100 مليون باوند، وفق حسابات مكتب مسؤولية الميزانية.
وتحذر لويز ميرفي، كبيرة الاقتصاديين في مؤسسة ريزوليوشن فاونديشن، من صعوبة تحقيق وفورات كبيرة: “تقييد الأهلية يعني تركيز خسائر فادحة على مجموعة محددة من الناس، وهي خطوة محفوفة بالمخاطر”.
نحو حلول مبتكرة
أمام هذه المعضلة المتشابكة، تبرز مقترحات إصلاحية مثل فكرة “جواز سفر الإعانات” التي طرحها معهد التعلم والعمل، والتي تسمح للمستفيدين بالعودة تلقائيًا لوضعهم السابق إذا فشلت تجربة العمل خلال ستة أشهر، إلى جانب زيادة ساعات العمل المسموح بها دون المساس بالإعانة من 8 إلى 16 ساعة أسبوعيًا.
مع اقتراب البيان الربيعي للمستشارة راشيل ريفز في 26 آذار/مارس، تتزايد المخاوف من تمرد داخل صفوف حزب العمال ضد التخفيضات المقترحة، في وقت تواجه فيه الحكومة معادلة صعبة بين ضبط الإنفاق العام ومراعاة احتياجات الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
تبقى المعضلة الأساسية قائمة: كيف يمكن إصلاح نظام متضخم ومتناقض دون إلحاق ضرر بملايين البريطانيين الذين يعتمدون عليه، في وقت تواجه فيه الخزينة تحديات مالية متصاعدة؟
المصدر: فاينانشال تايمز
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇