هل تسقط صلاة الجمعة إذا وافقت يوم العيد؟ فتوى فقهية مهمة لمسلمي بريطانيا في عيد الأضحى 2025

في صباح الجمعة السادس من يونيو 2025، يستقبل المسلمون في بريطانيا والعالم عيد الأضحى المبارك، في مشهد روحاني تملؤه التكبيرات والفرحة، وتمتد مظاهره إلى المساجد والمصليات والبيوت. إلا أن هذا العيد يأتي متزامنًا مع يوم الجمعة، وهو ما أعاد طرح سؤال فقهي يتجدد كلما اجتمع العيدان في يوم واحد: هل تُغني صلاة العيد عن صلاة الجمعة؟ وهل يجوز الاكتفاء بها؟
هذا التساؤل لم يعد محصورًا في أروقة الفقهاء وطلاب العلم، بل أصبح يمس شريحة واسعة من المسلمين، لا سيما في الغرب، حيث تتقاطع الأحكام الشرعية مع واقع عملي مختلف، يشمل الالتزامات الوظيفية، والدراسية، وصعوبة التنقل، وتعقيدات الحياة اليومية. ولهذا، تحرص الجاليات الإسلامية على معرفة الرأي الشرعي الذي يجمع بين الالتزام بالدين ومراعاة ظروف الواقع.
من حيث الأصل، لا تجب صلاة الجمعة على غير المكلّفين بها، كالمسافرين والنساء، وهو أمر محل اتفاق بين العلماء. أما بالنسبة للمقيمين المكلّفين بأداء الجمعة، فقد وقع الخلاف بين أهل العلم، وبرزت ثلاثة اتجاهات فقهية رئيسية في التعامل مع هذه الحالة.
الرأي الأول، وهو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنفية، يرى أن صلاة العيد لا تُسقط الجمعة، باعتبار أن كلا الصلاتين فريضتان مستقلتان، وعلى من صلّى العيد أن يؤدّي الجمعة كذلك، ما لم يكن معذورًا. ويُستند في هذا الرأي إلى الأصل في وجوب الجمعة وعدم ورود نص يرفع هذا الوجوب صراحةً عند اجتماعها مع العيد.
أما الرأي الثاني، وهو مذهب الحنابلة، فيرى أن من شهد صلاة العيد، سقطت عنه الجمعة، ويستند أصحابه إلى حديث النبي ﷺ: “قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمّعون.” وهو حديث صحّحه عدد من المحدثين، منهم الإمام الألباني، كما يُستأنس في هذا الرأي بما فعله الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه حين رخّص للناس بترك الجمعة يوم عيد. إلا أن هذا الترخيص مشروط ببقاء إقامة صلاة الجمعة في المسجد لمن أراد أداءها، كما أن من لم يشهد الجمعة فعليه أن يصلي الظهر في وقتها.
وفي محاولة للجمع بين الأدلة ومراعاة الواقع، تبنّى عدد من العلماء المعاصرين رأيًا وسطًا يُراعي المقاصد ويأخذ بالتيسير دون تفريط. من بينهم الدكتور حافظ الكرمي، مدير مركز ماي فير الإسلامي في لندن، الذي أشار إلى أن الترخيص في ترك الجمعة لمن صلّى العيد ثابت عن النبي ﷺ، ولا حرج في العمل به، خاصة في السياق الأوروبي حيث يصعب الجمع بين الصلاتين على كثير من الناس. كذلك يرى الدكتور خالد حنفي، نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، أن من الأقرب إلى روح الشريعة في واقع مسلمي أوروبا، سقوط فرض الجمعة عن من حضر صلاة العيد، شريطة أن يؤدي صلاة الظهر لاحقًا. واعتبر أن مقاصد الجمعة من الاجتماع والموعظة تتحقق غالبًا في صلاة العيد، وتكرارها فيه مشقة لا تقتضيها الضرورة، لا سيما أن يوم الجمعة ليس عطلة في الغرب، بل يوم عمل ودراسة في الغالب.
ومن الناحية العملية، يُدرك المسلمون في بريطانيا حجم التحديات المرتبطة بأداء الصلاتين في يوم واحد. فالحصول على إجازتين متتاليتين غالبًا ما يكون صعبًا، والمسافات الطويلة بين أماكن العمل والمساجد تُرهق العاملين والطلبة، إلى جانب مشقة التنقل التي يعاني منها كبار السن والنساء. كما أن تكرار الخطب والاجتماعات في نفس المدينة قد يُضعف مقصد الجمعة من “الاجتماع”، وهو ما يدعو إليه النص الشرعي أصلًا.
ورغم هذا التيسير، تؤكد الجهات الفقهية المعتبرة أن من أخذ برخصة ترك الجمعة بعد العيد، فلا تسقط عنه صلاة الظهر بأي حال، وعليه أداؤها أربع ركعات في وقتها، سواء في المنزل أو مكان العمل أو الدراسة.
من جهتها، تؤكد منصة “العرب في بريطانيا” أن فقه التيسير لا يعني التهاون، بل هو تعبير عن فهْم عميق لمقاصد الشريعة والوعي بواقع المسلمين في المهجر. وتوصي المنصة من استطاع الجمع بين الصلاتين أن يفعل، لما فيه من كمال الأداء وعظم الأجر، ومن شقّ عليه ذلك فله أن يعمل بفتوى التيسير مع الالتزام بصلاة الظهر. كما تدعو إلى عدم الانشغال بالجدال الفقهي على حساب روح العيد وفرحته، فالدين أُسس على الرحمة، وشرائعه جاءت لرفع الحرج لا لزيادته.
عيد الأضحى هذا العام هو فرصة للتقرب إلى الله، وإحياء شعائر الإسلام بروح المحبة والتيسير وصلة الأرحام، والتكبير والفرح، وتوسعة الأهل. وكل عام وأنتم بخير، وتقبّل الله طاعتكم.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇