الإيكونوميست: القنبلة الأمريكية الخارقة قد تفشل في تدمير منشآت إيران النووية

في ظل التصعيد المتسارع بين إسرائيل وإيران، تبدو منشآت إيران النووية العميقة في مأمن نسبي من الضربات الجوية حتى اللحظة. فبينما نجحت الغارات الإسرائيلية في استهداف بعض الأبنية السطحية، يبقى العمق المحصّن في مواقع استراتيجية مثل منشأة فوردو لتخصيب الوقود عصيًا على التدمير. ويعني ذلك أن القضاء الكامل على هذه المنشآت يتطلب نوعًا استثنائيًا من الأسلحة – أسلحة لا تملكها إسرائيل، وإنما الولايات المتحدة وحدها.
في هذا السياق، لوّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً بإمكانية التدخل، مصرحًا في 17 يونيو بأن “صبرنا بدأ ينفد” تجاه إيران. وإذا مضى في قراره، فلن تكون أمام واشنطن سوى خيار واحد: قنبلة GBU-57 الخارقة للتحصينات، المعروفة باسم Massive Ordnance Penetrator (MOP)، وهي قنبلة تقليدية تُعد الأكبر من نوعها في الترسانة الأمريكية.
قنبلة بحجم وحسابات سياسية
تزن قنبلة MOP نحو 13 طنًا، أي ما يفوق وزن القنابل التقليدية بنحو عشرة أضعاف، ولا يمكن إسقاطها إلا بواسطة القاذفة الشبح الأمريكية B-2، القادرة على حمل قنبلتين فقط في كل طلعة. وعلى الرغم من مضي أكثر من 15 عامًا على أول تجربة لها في عام 2007، لم تُستخدم هذه القنبلة حتى الآن في أي عملية عسكرية فعلية.
وتعتمد القنبلة على طاقة السقوط الحُر من ارتفاعات شاهقة لاختراق التحصينات، وليس على قوة الانفجار فقط. ويعود معظم وزنها إلى هيكل فولاذي فائق السماكة مصنوع من سبيكة تعرف باسم Eglin Steel. وتشير تقارير إلى قدرتها على اختراق ما يصل إلى 60 مترًا من الخرسانة العادية بضغط 5,000 رطل لكل إنش مربع (PSI)، بينما يشكل المتفجر جزءًا صغيرًا من وزنها الإجمالي لا يتجاوز 20%.
القنبلة مجهّزة أيضًا بصواعق حساسة تعتمد على الاستشعار الفراغي، إذ تُبرمَج لتنفجر عند الوصول إلى مستوى معين داخل المنشأة، مثل الطابق الثالث تحت الأرض، بما يضمن إلحاق أكبر قدر من التدمير بالبنية التحتية الحيوية.
تطور إيراني مضاد: خرسانة خارقة
ورغم تفوقها الهندسي، تواجه قنبلة MOP تحديًا تقنيًا كبيرًا في مواجهة الخرسانة الإيرانية، التي شهدت تطورًا نوعيًا خلال السنوات الأخيرة. إذ أعلنت إيران إنتاجها لأنواع من الخرسانة فائقة الأداء Ultra High-Performance Concrete (UHPC)، بصلابة قد تصل إلى 30,000 PSI – ما يفوق بكثير قدرة الاختراق القصوى لـMOP.
وقد تعامل البنتاغون مبكرًا مع هذه المعضلة، فطوّر في 2014 نسخته الخاصة من الخرسانة عالية المقاومة لاستخدامها في اختبارات الأسلحة، المعروفة باسم Eglin High-Strength Concrete. لكن خبراء مثل غريغوري فارتانوف من شركة “تطوير المواد المتقدمة” الكندية يؤكدون في دراسة نُشرت عام 2021 أن قنابل مصنوعة من فولاذ إغلين لن تكون قادرة على اختراق أفضل أنواع الخرسانة الإيرانية، ما لم تُجرَ عليها تحديثات جذرية لم تُعلن حتى اليوم.
دقة الإصابة تحت التهديد
حتى في حال تمكنت القنبلة من اختراق التحصينات، يبقى تحقيق الإصابة الدقيقة مسألة غير مضمونة. فمثل معظم القنابل الأمريكية، تعتمد MOP على نظام توجيه عبر الأقمار الصناعية GPS، ورغم أن النظام العسكري مقاوم للتشويش نظريًا، إلا أن تجربة أوكرانيا كشفت هشاشته أمام التكنولوجيا الروسية، حيث جرى تقليل دقة بعض القنابل الأمريكية من 20 مترًا إلى 1200 متر قبل أن تُجرى إصلاحات تقنية.
تتزايد المخاوف اليوم من أن تُواجه قنابل MOP التحدي ذاته إذا لجأت إيران إلى وسائل التشويش المتطورة. وفي المقابل، تعتمد إسرائيل على بدائل أكثر تقدمًا مثل منظومة SPICE، التي توجه القنابل عبر كاميرات ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وقد استخدمتها بنجاح خلال حملتها الحالية ضد أهداف إيرانية. هذا الأمر يطرح احتمال أن تسارع الولايات المتحدة إلى تعديل قنابلها وتزويدها بتقنيات مماثلة، إلا أن تنفيذ ذلك قد يستغرق عدة أسابيع – وقت ثمين في خضم سباق عسكري حساس.
ختام: سلاح غير مضمون في معركة غير محسومة
لا يوجد سلاح تقليدي في العالم، سوى MOP، لديه القدرة النظرية على تدمير منشأة بحجم وتعقيد فوردو. ومع ذلك، فإن نجاح هذه القنبلة – إن تقرر استخدامها – ليس مضمونًا، سواء من ناحية القدرة على الاختراق أو دقة الإصابة.
أما القرار السياسي باستخدامها، فيبقى مرهونًا بحسابات واشنطن الدقيقة: هل تُجازف الإدارة الأمريكية باستخدام سلاح بهذا الحجم وسط منطقة مشتعلة؟ أم أن ما كان يُنظر إليه ذات يوم كـ”الملاذ الأخير” العسكري، أصبح اليوم مجرّد ورقة ضغط محدودة الفعالية أمام تعقيد الواقع الإيراني وتطوره التقني؟
في زمن تتداخل فيه الحرب بالتكنولوجيا، وتُدار فيه المعارك من تحت الأرض وعبر الأقمار الصناعية، يبقى السؤال الجوهري: هل لا تزال القوة العسكرية كافية وحدها لإخضاع طموحات الدول، أم أن المعادلة تغيرت جذريًا… وتحوّل الردع إلى لعبة من نوع آخر؟
المصدر ايكونوميست
إقرأ أيّضا
الرابط المختصر هنا ⬇