ما هو الموقف من الاعتراف الغربي بدولة فلسطينية؟
في الأيام الأخيرة، تتابعت أخبار اعترافات مرتقبة بدولة فلسطينية من قِبل عدد من الدول الغربية الكبرى. فرنسا كانت الأولى بين دول مجموعة السبع التي تعلن رسميًا نيتها منح فلسطين “مقعد الدولة” في الأمم المتحدة، ابتداءً من سبتمبر المقبل. بريطانيا تلمّح إلى الاعتراف في حال لم يتحقق وقف لإطلاق النار في غزة، وكندا تنضم للرّكب، لكنها تفعل ذلك بشرط لا يمكن تجاهله: إقصاء حماس والمقاومة الفلسطينية من أي مشاركة سياسية مقبلة.
وللوهلة الأولى، قد يشعر البعض بشيء من الفرح. وربما تمنينا أن نفرح، فنحن بشر. لكننا ندرّب أنفسنا منذ زمن طويل على عدم الوقوع في فخ الأوهام. لأننا نعرف، بالتجربة، أن الورق لا يصنع وطنًا، وأن الاعتراف لا يساوي شيئًا إن لم يُسنَد بحق العودة، والسيادة، وحرية القرار، ورفع الحصار عن غزة، ومحاسبة مجرمي الحرب.
عندما تصبح “الدولة” مكافأة على الانكسار
كثير من هذه الاعترافات جاءت بصيغة غريبة. بريطانيا مثلًا تلوّح بالاعتراف إن توقفت النار في غزة، وكأن الصمود جُرم، وكأن من ينزف عليه أن يرضخ، لا أن يُكافأ. أما كندا، فاشترطت أن يُستبعد فصيل المقاومة الأقوى على الساحة الفلسطينية من أي مستقبل سياسي، بل من الانتخابات نفسها.
وهنا لا بد أن نقف قليلًا:
هل باتت الدولة الفلسطينية “هدية” تُعطى لنا فقط إذا تخلينا عن أدوات الدفاع؟
هل المطلوب أن نوقّع على وثيقة استسلام حتى نحظى بلقب “دولة مراقب”؟
إن اشتراط إقصاء فصيل بحجم حماس، له تمثيل شعبي واسع ووجود فعلي على الأرض، لا يعبّر إلا عن منطق استعماري بحت. منطق يقول: “لن نعترف بوجودكم إلا إذا خضعتم لشروطنا، وأقصيتم من يقاومنا”. وهذا، ببساطة، يفرغ فكرة الدولة من معناها، ويحوّلها إلى صيغة إدارة ذاتية تحت رقابة دولية، لا كيانًا مستقلًا نابعًا من إرادة شعب حر.
نرحّب بما يقلقهم، لا بما يضلّلنا
أقولها بوضوح: أنا لا أحتفل بهذه الاعترافات. لا أعتبرها إنجازًا، ولا نهاية للنضال. لكنني أيضًا لا أستخف بها من زاوية واحدة فقط: أنها أزعجت الاحتلال.
رأينا كيف اشتاطت إسرائيل غضبًا من قرار فرنسا. صراخ في تل أبيب، تهديدات من نواب الكنيست، عبارات من نوع “خيانة القيم الغربية”، واتهامات لفرنسا بمكافأة الإرهاب. نعم، كل هذا جيد. لأنه يعني أنهم بدؤوا يشعرون بالعزلة. يعني أن سرديتنا بدأت تخترق جدران النفاق الدولي.
ولكن لا بد من التحذير: لا يمكن أن نقايض العدالة بقرارات استعراضية مشروطة.
نرفض الحلول الجزئية، لأنها تمزّق القضية وتحولها إلى صيغ دبلوماسية بلا مضمون.
ونرفض هذا الاعتراف المشروط، لأنه يأتي على حساب شعبنا في غزة، وعلى حساب تضحيات من يواجهون الإبادة يوميًا.
من منحنا حق الاعتراف… هم من واجهوا الموت
وهنا بيت القصيد.
الحكومات التي “تفكر” الآن بالاعتراف بفلسطين، لم تفعل ذلك فجأة، أو حبًا في القانون الدولي، أو انتصارًا للمظلومين.
بل فُرض عليها هذا الموقف فرضًا، من خلال معركة غزة:
- من خلال صمود أمهات رفعن جثمان أطفالهن وقلن: “لن نركع”
- ومن خلال مقاومين خرجوا من تحت الركام، لا ليبحثوا عن مجد شخصي، بل ليقولوا: “نحن هنا”
- ومن خلال مشاهد الجوع في الشجاعية، والبكاء في النصيرات، والقبور الجماعية في رفح
هؤلاء هم من أجبروا فرنسا وكندا وأستراليا على التردد في دعم الاحتلال.
لا بيانات الأمم المتحدة، ولا مؤتمرات مدريد وأوسلو.
إذًا، ما الذي نريده؟
نريد اعترافًا لا يُكافئ الضعف، بل يعزّز الحق.
نريد دولة بلا وصاية، بلا شروط إقصاء، بلا حدود مرسومة من الاحتلال، وبلا تبرئة للعالم من جريمة الإبادة الجماعية الجارية منذ أكتوبر وحتى اللحظة.
ونقول لمن يتردد:
نحن لا ننتظر منكم الاعتراف بنا حتى نكون شعبًا.
نحن شعب، قبل اعترافكم وبعده.
لكن إن أردتم أن تكونوا جزءًا من العدالة، فلا تضعوا شروطكم على دمنا.
اقرأ أيضًا:
- تقرير يكشف تضاعف الهجمات الإلكترونية ضد المهاجرين بعد هجوم ساوثبورت
- هل سيحدث اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين أي فرق؟ تحليل معمق لتداعيات القرار
- حكومة العمّال فشلت في تلبية طموحات الشعب.. وسيقود حزبنا التحوّل المنشود
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة
الرابط المختصر هنا ⬇