من عتمة السجون إلى ضمير العالم
الأسرى وذووهم قضية ينبغي ألا تُترَك لقلة من الأحرار فقط، إذ هي مسؤولية يجب أن ينهض بها الجميع، فما كان مخفيًّا لسنوات طويلة داخل السجون، وما كان يُروى بالخفاء صار اليوم مكشوفًا أمام العالم أجمع، تتناقله أصوات متعبة من وراء القضبان، وبشهادات محامين ودموع عائلات انقطعت أخبار أبنائها عنها.
لم يكن السابع من أكتوبر مجرد حدث غيَّر المشهد السياسي فقط، بل كان بداية لمِحَن جديدة انهارت فوق رؤوس آلاف الأسرى الفلسطينيين، الذين وجدوا أنفسهم وسط عقاب جماعي تُنتَهك فيه حقوقهم، ويُسلَب فيه الحد الأدنى من إنسانيتهم، حيث تحوّلت السجون إلى أماكن مغلقة على الانتقام دون أي رحمة…
وصف الأسير المحرر إسماعيل عفانة، الذي أمضى ثمانية عشر عامًا خلف القضبان، تحمّل مرارة الأسر بكل قسوته وسنوات طويلة من القهر والتعذيب، بأن كل تلك السنوات كانت في كفة والأشهر التسعة التي اعتُقِل خلالها أثناء الحرب في كفة أخرى؛ فقد كانت أشد مرارة وقسوة بتجربة تجاوزت حدود تحمّل العقل والروح والجسد، في تلك الأشهر التسعة التي تعرض فيها هو وزملاؤه لبشاعة تعذيب المحتل.
تدهورت ظروف الحياة داخل السجون إلى مستوى غير مسبوق. تقلّص مقدار الطعام وساءت جودته حتى صار مهينًا، ومُنِعت الزيارات، وتراجعت الرعاية القانونية والصحية إلى حد الغياب، أما الليل والنهار فقد أصبحا ساحة للتفتيش المفاجئ والضرب والإذلال المستمر.
ولم تقف الانتهاكات عند حد التضييق، بل تجاوزت ذلك إلى حرمان المرضى من الدواء والعلاج. من يحتاج دواء لا يجده، ومن يتألم يُترَك لأوجاعه دون مسكِّن، ومن ينتظر فحصًا طبيًّا بسيطًا فقد ينتظر شهورًا بلا رعاية. تحوّلت عيادات السجون إلى غرف موحشة فارغة من العلاج، وبات المرض عقوبة أخرى تهدد حياة الأسرى.
إن ما يجري اليوم ليس مجرد سلسلة انتهاكات عادية، بل سابقة خطيرة لم يعرفها تاريخ الصراع مع الاحتلال، وإن مرّ هذا الواقع القاسي دون كشف أو مساءلة فسيسهل استمراره دون رادع، وستتسع دائرته ليطول كل من يقع تحت يد السجّان، طفلًا كان أو امرأةً، شيخًا كان أو شابًّا. لذلك يجب أن يعرف العالم بما يحدث، وأن تُستخدَم كل أدوات الوعي والضغط؛ لحماية الأسرى ووقف هذا الظلم عنهم؛ فالصمت في هذه اللحظات القاسية وعدم التحدث عنهم وعدم الانتفاض لأجلهم هي جريمة ومشاركة لظلم المحتل لهم.
هذا ما دفع ناشطين في العالم لإطلاق حملات تضامنية مع الأسرى، ومنها الحملة الأخيرة التى شهدتها شوارع لندن. حملة أطلقها ناشطون تحت اسم “الحرية للأسرى” تدعو إلى المطالبة بحرية الأسرى، وتلفت انتباه العالم لما يعانيه الأسرى في سجون الاحتلال، إذ علَّق الناشطون صور الأسرى، وعلَّقوا الشرائط الحمراء في مناطق متعددة من العاصمة البريطانية لندن؛ تعبيرًا عن دعمهم للأسرى والمطالبة بحريتهم.
أما أهالي الأسرى فهم خارج تلك الجدران، يخوضون حربًا نفسية من معانات اجتماعية ومادية صعبة.
إن قضية الأسرى ليست ملفًّا عابرًا، وما يتعرض له الأسرى بعد السابع من أكتوبر يجعل هذا الملف أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. “لا تتركوا الأسرى وحدهم” فهم في العتمة ينتظرون صوتًا يضيء لهم الطريق، وضميرًا يُذكِّر العالم بأن خلف قضبان المحتل بشرًا لا حجارة، وأن خلف القضبان قصصًا تعدّت كل صور البشاعة واللاإنسانية في المعاملة.
أنقذوا الأسرى وكونوا لهم سندًا في زمن عزّ فيه السند.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة
الرابط المختصر هنا ⬇
